انتخابات أميركا: بين السّيّئ.. والأسوأ

49

بقلم عماد الدين أديب

«أساس ميديا»

واشنطن

 أصعب، وأسوأ، وأسخن انتخابات رئاسية في العصر الحديث هي التي سوف تحدّد من هو الرئيس رقم 47 للولايات المتحدة الأميركية.

في الوقت ذاته لم تأتِ انتخابات رئاسية ينتظر نتائجها الشرق الأوسط مثل هذه، بسبب دور الولايات المتحدة الأساسي في المسؤولية عن الصراعات الدموية الدائرة الآن في المنطقة.

ما هي العقائد الحاكمة لتلك الانتخابات وإلى أين سوف تنتهي بنا؟

إنّها مقارنة بين المرشّح السيّئ والأسوأ، بين الخطر والأخطر!

قمت في حياتي المهنية بتغطية أو متابعة 6 انتخابات رئاسية أميركية. أستطيع أن أؤكّد أنّني لم أشهد ما هو أغرب من الانتخابات الحالية التي سوف ينقشع عنها الغبار بعد ساعات.

لماذا هذه الانتخابات أغرب من غيرها؟

قمت بزيارة واشنطن منذ شهر لفهم العناصر الحاكمة في هذه الانتخابات، ثمّ عدت إليها قبل أسبوع وما زلت هناك أحاول الفهم.

أستطيع بعد أيام وأسابيع من المتابعة واللقاءات الخاصة أن أقترب، ولو قليلاً، من جمع بعض الملاحظات والمعلومات. يمكن إجمالها على النحو التالي:

– أهمّ عنصر يهمّنا نحن العرب ومواطني منطقة الشرق الأوسط هو أنّنا الآن أمام إدارة أميركية قرّرت استراتيجيّاً أن تنقل مركز أولويّاتها الاستراتيجي من الشرق الأوسط إلى جنوب شرق بحر الصين ومنطقة تايوان، المواجهة الاقتصادية مع نموّ العملاق الصيني.

– هذه الإدارة اضطرّت، لأسباب إسرائيلية محضة، أن يقوم وزير خارجيّتها ورئيس وزرائها ورئيس جهاز مخابراتها وكبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الأمن القومي إلى السفر عشرات المرّات في 13 شهراً.

– نحن أمام إدارة اضطرّت لأسباب إسرائيلية أمنيّة أن تنقل حاملاتها وصواريخها وقنابلها وتعبّىء قواعدها في المنطقة وترفع الطاقة الإنتاجية الخاصّة بالتسليح لتوريد الأسلحة الأكثر تقدّماً والأكثر تدميراً للحليف الإسرائيلي.

أميركا تحت ابتزاز نتنياهو

هذا كلّه لأنّ السياسة الأميركية، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية، قد وقعت تحت الابتزاز السياسي المباشر من قبل تل أبيب في عام الانتخابات الرئاسية.

يترحّم دبلوماسي عربي مخضرم في علاقاته مع الإدارة الأميركية على أيّام كانت فيها كلمة الأميركي تعلو فوق الرغبات والمصالح الإسرائيلية.

يتذكّر هذا المسؤول أيّام أنذر آيزنهاور قوات العدوان الثلاثي على مصر. ويتذكّر منع جيمس نتنياهو من دخول وزارة الخارجية ودعم كلينتون الصريح لإيهود باراك في انتخابات الكنيست لإسقاط نتنياهو، ومنعه وتأجيله بضع شحنات سلاح لإسرائيل حتّى تغيّر موقفها من التفاوض مع الفلسطينيين.

الآن لدينا منافسان على مقعد الرئاسة يزايد كلّ منهما على محاباة إسرائيل وعمليات جيشها الذي يخالف كلّ قواعد الحروب وكلّ القوانين الإنسانية تجاه المدنيين العزّل في غزة والضفة الغربية وجنوب لبنان والضاحية الجنوبية.

“ضوء أخضر. ستيلو يوقّع على بياض. تغاضٍ كامل غير مسبوق”. سلوك يعتمد على إبادة السكّان والإفراط المجنون في التدمير وحرق الأراضي والسعي إلى تغيير الديمغرافيا والجغرافيا بالقوّة الوحشية بلا حدود.

أهمّ إدارة… في مستقبل 4 ملفّات

في الوقت ذاته نجد أصابع الإدارة الأميركية في عدّة ملفّات معقّدة في ليبيا والسودان وسوريا والعراق واليمن بلا تقدّم وبلا حلّ.

نجد أيضاً أنّ إشكالية إيقاف النووي مقابل رفع العقوبات التي تحكم علاقة طهران بواشنطن ما زالت ممدودة على سلك كهربائي رفيع بسبب المواجهات بين إيران وإسرائيل إقليميّاً.

من هنا يحبس الدبلوماسيون العرب والشرق الأوسطيون، الموجودون لدى واشنطن، أنفاسهم بانتظار حسم اسم الرئيس رقم 47 في تاريخ الولايات المتحدة.

قال لي دبلوماسي إداري لدولة عظمى في واشنطن: “هذه الانتخابات هي أهمّ انتخابات في العصر الحديث لمستقبل 4 ملفّات:

1- صراعات الشرق الأوسط.

2- مستقبل الحلف الأطلسي.

3- التعاون الأميركي الأوروبي تجاريّاً.

4- التنسيق الأميركي الأوروبي حول حرب أوكرانيا ومواجهة روسيا.

انتخابات التّدنّي في اللّغة

لكنّها الانتخابات ذات النتائج الأكثر تأثيراً على العالم لأنها تواجه مجموعة من الإشكاليات الموضوعية والقانونية والمعنوية غير المسبوقة يمكن إجمالها على النحو التالي:

– أوّلاً، إنّها أكثر انتخابات رئاسية أميركية في أكثر من نصف قرن يتغلّب فيها التناحر والتصادم والتدنّي في الألفاظ الاتّهامية أكثر من أيّ انتخابات أخرى.

أدّى هذا السلوك إلى غياب سيادة القضايا الموضوعية للبرامج الانتخابية وغلبة الشائعات والتناحر وحرب الشتائم حتى أصبحت تشاهد وتسمع مصطلحات مثل “الجمهور القمامة” و”النازي” و”الفاشي” و”المغيّب عن الوعي” و”النكرة” و”ضعيف الشخصية” و”الفاشلة”.

– ثانياً، في حال فوز كامالا هاريس بمقعد الرئاسة، فإنّ مجموعات دونالد ترامب المتطرّفة مستعدّة منذ ما قبل إعلان النتائج للقيام بأعمال عصيان وشغب تصل إلى مرحلة استخدام السلاح الناري.

لقد بدأ ترامب بتهيئة جمهوره والرأي العامّ بالحديث في الثاني من تشرين الثاني عن تزوير وغشّ وتغيير إرادة الناخبين.

بينما يصرّ أنصار هاريس على أنّ تعديلات قانون الانتخابات التي أُجريت في 2022 سدّت أيّ ثغرات يمكن من خلالها النفاذ للتدخّل غير السليم في عمليات الاقتراع.

– ثالثاً، أيّ فائز من أيّ حزب بأيّ نسبة سوف يعطي إسرائيل ما تريد. لكن إذا كان الفائز هو ترامب فإنّ نتنياهو لن يتوقّف عند حدود لبنان الجنوبية، بل سيصل إلى حدود إيران ذاتها ليلعب دور “الشرطيّ القويّ” لكلّ المنطقة.

عماد الدين أديب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.