المصالحة الفلسطينيّة… تسلية في الوقت الضائع!

59

بقلم خيرالله خيرالله

ليس معروفا ما الفائدة في الظروف الراهنة من مصالحة فلسطينيّة – فلسطينيّة، خصوصا أنّه لا وجود لما يسمّى مصالحة من أجل المصالحة. لا بدّ من أن يكون لأي مصالحة هدف سياسي محدّد. ما الهدف السياسي المحدد لدى «حماس» التي تبيّن أن كلّ ما فعلته إلى يومنا هذا صبّ في خدمة المشروع التوسعي الإيراني؟ هل من هدف… أو على الأصحّ من وهم لدى «حماس» غير العودة إلى حكم غزّة؟

لا فائدة من أي مصالحة، لا لشيء سوى لأنّ «حماس» لا تستطيع تقديم إضافة ذات طابع إيجابي للمشروع الوطني الفلسطيني. بعد تدمير إسرائيل لغزّة، استفاقت الحركة فجأة على المشروع الوطني الفلسطيني. في أساس هذا المشروع خيار الدولتين الذي حاربته الحركة منذ اليوم الأوّل لقيامها قبل نحو أربعة عقود. لا فائدة تذكر من المصالحة، لو تمّت في الصين أو غير الصين، نظرا إلى أنّ لا أفق سياسيا لها. لا يوجد في العالم من هو مستعد للتفاوض مع «حماس» من أجل تحقيق الأهداف المشروعة للشعب الفلسطيني، وهي أهداف لم يكن لـ»حماس» علاقة بها في يوم من الأيّام، خصوصا عندما رفعت شعارات مستحيلة التحقيق لا علاقة لها بالواقع، من نوع «فلسطين وقف إسلامي» أو «تحرير فلسطين من البحر إلى النهر»… أو «من النهر إلى البحر» لا فارق.

ارتبط المشروع الحمساوي في كلّ وقت بمشاريع نادى بها اليمين الإسرائيلي الذي رفع، من أجل تكريس الاحتلال للضفّة الغربيّة والقدس الشرقيّة، شعار «لا وجود لطرف فلسطيني يمكن التفاوض معه». سعى هذا اليمين في كلّ وقت إلى إفشال أي محاولة تستهدف إطلاق أي عمليّة سلام جدّية. يحكم هذا اليمين إسرائيل، منذ إغتياله إسحق رابين في تشرين الثاني – نوفمبر 1995  بعد نحو سنتين من توقيع إتفاق أوسلو. كان يمكن البناء على أوسلو لو صفت النيات ولم يتعرّض الاتفاق، الذي أعاد ياسر عرفات إلى أرض فلسطين، لكلّ تلك الهجمات التي استهدفت القضاء عليه. لا يمكن تجاهل أنّ الضربة الأولى التي تلقاها إتفاق أوسلو كانت في شباط – فبراير 1994 على يد متطرّف إسرائيلي، يدعى باروخ غولدشتاين، إرتكب مجزرة في حق المواطنين الفلسطينيين في الحرم الإبراهيمي في الخليل. سبقت تلك المجزرة، التي راح ضحيتها أبرياء، العمليات الإنتحارية لـ»حماس» التي استهدفت إجهاض أي مسار سلمي قبل ولادته من جهة وتغيير طبيعة المجتمع الإسرائيلي في اتجاه مزيد من التطرّف من جهة أخرى.

تجاوزت الأحداث المصالحة بين «فتح» و»حماس» في ضوء ما تعرّضت له غزّة. أكثر من أي وقت، توجد حاجة فلسطينيّة إلى الخروج من أسر الشعارات التي أوصلت غزّة إلى ما وصلت إليه بعدما إعتقدت «حماس» أنّ في استطاعتها شنّ هجوم بحجم هجوم «طوفان الأقصى» من دون التفكير مليّا بما سيكون عليه اليوم الذي يلي الهجوم.

الموضوع المطروح حاليا موضوع قيام سلطة وطنيّة جديدة تأتي عبر صناديق الإنتخاب ترسم ملامح المرحلة الجديدة التي ستمرّ بها القضيّة الفلسطينيّة في ضوء حرب غزّة وانعكاساتها على المنطقة كلّها. تبدو الإمور رهن قيام مثل هذه السلطة وليس بمصالحة بين رام الله و»حماس» أو بين «فتح» و «حماس». لن تقوم مثل هذه السلطة قبل توقف حرب غزّة… وقبل خروج بنيامين نتانياهو من السلطة.

لن تقدّم المصالحة الفلسطينيّة ولن تؤخّر. ما يمكن أن يقدّم التفكير الجدّي في مرحلة ما بعد غزّة من منطلق أنّ «حماس» لا تمتلك مستقبلا سياسيّا مثلها مثل «بيبي» نتانياهو والسلطة الوطنيّة الفلسطينيّة بشكلها الحالي. الأهمّ من ذلك كلّه الدور الأميركي الفاعل في مجال المساعدة في قيام إسرائيل مختلفة لا تؤمن بأن ليس في الإمكان تصفية القضيّة الفلسطينيّة فحسب، بل تؤمن، في المقابل، بأنّ خيار الدولتين هو الطريق الأقصر لقبول إسرائيل في المنطقة.

يبقى بالطبع الإطار العام لأي تسوية تتحقّق في يوم من الأيام في المنطقة. يتحدد مثل هذا الإطار في الإجابة عن سؤال في غاية الأهمّية مرتبط بالمشروع التوسعي الإيراني ومستقبله ومدى تأثيره على «حماس» ودورها ومستقبلها.

في انتظار تبلور معالم المرحلة، مرحلة ما بعد حرب غزّة، يمكن التسلي بالمصالحة الفلسطينيّة التي هي مثل الدوران على الذات لا أكثر. تبدو المصالحة بمثابة لعب في الوقت الضائع في وقت لا مكان فيه لمثل هذا النوع من التسليات.

خيرالله خيرالله

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.