القاضي أيمن فوزي عويدات: رمز النزاهة ودعامة الإصلاح القضائي في لبنان
المحامي أسامة العرب
يُمثّل القاضي أيمن عويدات نموذجاً فريداً للقاضي الذي يرفض المساومة على مبادئه، مُفضّلاً درب الاستقامة على المصالح الشخصية؛ فهو ابن البيت القانوني، وابن القاضي المرحوم الرئيس فوزي عويدات، الذي اشتهر بمناقبيته العالية وهمته وتفانيه ونشاطه وتبوئه مناصب مرموقة طوال مسيرته القضائية التي جاوزت الأربعين عاماً كرئيس استئناف البقاع، أما نجله الرئيس أيمن عويدات فقد بدأ مسيرته القضائية عام 1993 كقاضٍ في محكمة صيدا الجزائية، ثم انتقل إلى محكمة استئناف بيروت عام 2006، حيث أمضى قرابة 18 عاماً منكبّاً على عمله بتفانٍ دون أن يخضع لضغوط المحسوبيات أو وساطات الترقيات. وقد رفض بشكل قاطع سلوك “دروب التملق” أو تقديم الولاءات الشخصية لذوي النفوذ، مما أدى إلى تهميشه وتجاهله لمراكز قيادية كان أحق بها، كمنصبي رئيس أول لمحاكم صيدا أو مدير عام وزارة العدل.
عُرف عن عويدات صلابة أخلاقية نادرة، تجلّت في شفافيته المطلقة ورفضه المجاملات أو الانصياع للضغوط. وقد انعكست هذه القيم على أحكامه القضائية التي أصبحت مراجع فقهية تُدرَّس في كليات الحقوق، ويستشهد بها كبار الأساتذة في المحاضرات والمرافعات، والتي آخرها القرار الجريء بحفظ الشكوى في القضية التي تقدم بها وزير العدل السابق هنري خوري بحق القاضي فيصل مكي على خلفية ظهوره الإعلامي، حيث أكد الرئيس عويدات على حرية القضاة بالظهور الإعلامي والإدلاء بآرائهم دون إذن مسبق، ما لم يمسوا بسرية التحقيق أو يخرقوا موجب التحفظ؛ وهذا قرار هام يعزز استقلالية القضاء وينتصر لحرية القضاة ولتعزيز الديمقراطية؛ فمن المعروف أن الرئيس أيمن عويدات لم يُثنه ساسة لبنان ولا مشقات محاربة الفساد عن مواصلة مسيرته بإيمان عميق برسالة العدالة، كما كرّس جهوده مؤخراً لتطوير آلية التفتيش القضائي، معتمداً على التقنيات الرقمية في التدقيق وتتبّع الشكاوى.
فقد جاء عام 2025 نقطة تحوّل في مسيرته، بتعيينه رئيساً لهيئة التفتيش القضائي، تكريماً لمسيرة إصلاحية حافلة. تحت قيادته، نفذت الهيئة أكثر من 120 زيارة تفتيشية شملت المحاكم الابتدائية والاستئنافية، وأصدرت 35 تقريراً سنوياً حول الأداء القضائي بعيداً عن التعتيم. ومن أبرز إنجازاته:
– إطلاق التقرير السنوي للشفافية القضائية، الذي يكشف معدلات الاستجابة للشكاوى والإجراءات التأديبية، متاحاً للجميع عبر موقع الوزارة.
– منصة العدالة الرقمية، التي تمكّن المواطنين من متابعة قضاياهم إلكترونياً دون حاجة إلى مراجعة ميدانية.
– تدريب أكثر من 200 قاضٍ وموظف على مبادئ الحوكمة الرشيدة والأخلاقيات القضائية.
– مبادرات توعوية في المدارس والجامعات لتثقيف الشباب حول استقلالية القضاء وحماية الحقوق.
لم تكن هذه الإنجازات مجرد إجراءات روتينية، بل جزءاً من رؤية أوسع لإعادة هيبة العدالة وثقة المجتمع بالمؤسسات. فتصريحاته الصحفية الواضحة، ومبادراته الرامية إلى تعميم الشفافية، تعكس إصراراً على فصل القضاء عن أي تأثيرات سياسية أو اجتماعية.
اليوم، يُعدّ تعيين عويدات رمزاً لأمل جديد في نظام قضائي يقوم على الكفاءة بدلاً من المحسوبيات. فمسيرته تثبت أن الإصلاح ممكن عندما تُمنح النزاهة فرصتها، وأن قضاةً من هذه الطينة قادرون على بناء مستقبل يُعيد للدولة هيبتها كـ”دولة قانون”. يُتابع القاضي عويدات مسيرته بلا كلل، ليس كمجرد قاضٍ، بل كرجل إصلاح يحمل شعلة التغيير لكل من يطمح إلى عدالة شفافة تُحاكي ضمير الأمة.
المحامي أسامة العرب
التعليقات مغلقة، ولكن تركبكس وبينغبكس مفتوحة.