الشّرق الأوسط: استمرار المسرحيّة

71

بقلم محمد السماك

«أساس ميديا»

مرّة جديدة تؤكّد الولايات المتحدة تعاملها مع الشرق الأوسط على أنّه مسرح ثابت، وأنّ المسرحية متكرّرة، غير أنّ الممثّلين يتغيّرون ويتبدّلون.

في عام 1991 أطلق العراق برئاسة الرئيس الأسبق صدام حسين عدّة قذائف من نوع سكود على إسرائيل. في ذلك الوقت كانت قوّاته قد غزت الكويت. وكان يجري إعداد تحالف عربي متعاطف مع الكويت ومعارض لسياسة غزو دولة جارة تتمتّع بالسيادة والاستقلال. كانت هناك مساعٍ لتشكيل تحالف عربي بطربوش أميركي ضدّ العراق. أراد صدام حسين إفشال تلك المساعي عن طريق تحويل الأولوية إلى الصراع مع إسرائيل. كان يراهن على أن تردّ إسرائيل على عشرات قذائف السكود العراقية، التي أُطلقت عليها، بقصف العراق. وكان القصف الإسرائيلي للعراق كافياً لإعادة تجميع الدول العربية حوله لمواجهة العدوّ الإسرائيلي المشترك.

وبالفعل أعدّت إسرائيل العدّة للردّ بقصف بغداد. ولكنّ الولايات المتحدة التي فهمت اللعبة سارعت إلى التدخّل. وتمكّنت من منع إسرائيل من الردّ. وهكذا للمرّة الأولى تُقصف إسرائيل دون أن يصدر عنها أيّ ردّ فعل. كان ردّ الفعل السياسي الأميركي هو تشكيل تحالف عربي ضدّ الغزو العراقي للكويت يغطّي العملية العسكرية التي كانت تخطّط للقيام بها القوات الأميركية في حينه، تحت عنوان تحرير الكويت.

تجدّدت وقائع هذه المسرحية السياسية – العسكرية عندما قصفت إيران العمق الإسرائيلي بمجموعة من الصواريخ والطائرات المسيّرة التي تحمل قنابل عنقودية. كان يُنتظر أن تردّ إسرائيل بشكل أشدّ عنفاً. ولكنّها اكتفت بالردّ الشكليّ فقط. ولو أنّها فعلت غير ذلك لبدّدت أسس السياسة الأميركية في المنطقة التي تسعى إلى إقامة تحالف إقليمي ضدّ إيران. ذلك أنّ قصف إسرائيل لإيران سوف يُكسب إيران تعاطف العالم العربي كلّه، وهو ما لا تريده الولايات المتحدة. اكتفت إسرائيل بردٍّ “يحفظ ماء الوجه”، لكن من دون أن يؤدّي الردّ إلى تغيير المعادلات السياسية التي تعمل الإدارة الأميركية على تمريرها.

بين جورج بوش الأب وبايدن

في عام 1991 نجح الرئيس الأميركي جورج بوش الأب في إقامة تحالف أميركي – عربي ضدّ الغزو العراقي للكويت.

في عام 2024 نجح الرئيس الأميركي جو بايدن في إقامة تحالف أميركي – عربي جديد ضدّ التوظيف الإيراني لعملية السابع من أكتوبر (تشرين الأوّل) التي قامت بها حركة حماس. فاللعبة واحدة. والمسرح واحد. ولكنّ الأبطال يتغيّرون.

كان الغزو العراقي للكويت مثيراً. دولة عربية تجتاح دولة عربية أخرى. محاولة تغيير في الخريطة السياسية بإلغاء دولة ذات سيادة، وإحراق منشآتها النفطية. كان ذلك جزءاً من سيناريو يوجب إقامة تحالف دولي على قاعدة أميركية – عربية. كذلك كان القصف الإسرائيلي القنصلية الإيرانية في دمشق انتهاكاً لحرمة دولة مستقلّة، بل دولتين، هما سوريا وإيران، باعتبار أنّ القنصلية الإيرانية التي قُصفت بالصواريخ الموجّهة تقع في قلب العاصمة السورية التي انتُهكت سيادتها مرّة جديدة. ثمّ إنّ للقنصلية حرمتها الدبلوماسية بموجب القانون الدولي. ولكنّ سجلّ إيران نفسها في الالتزام بقواعد هذا القانون الدولي يرسم علامات استفهام كبيرة: مِن خطف الدبلوماسيين الأميركيين في طهران في عام 1989، إلى نسف السفارة الأميركية في بيروت في عام 1983، ثمّ نسف السفارة الإسرائيلية في الأرجنتين في عام 1992.

لقد أطلقت إيران على إسرائيل 30 صاروخ كروز، إضافة إلى 120 قذيفة أخرى. صحيح أنّ القوى المعترضة لهذه الصواريخ والتي شاركت فيها إلى جانب الولايات المتحدة دول أوروبية من أساطيلها في البحر والجوّ، وصحيح أنّها تمكّنت من تعطيل فاعليّتها التدميرية، إلا أنّ الأهمّ من ذلك هو أنّ الردّ الإسرائيلي الشكليّ، والمحسوب سياسياً بدقّة تحت مظلّة الحسابات السياسية الأميركية، لم يؤدِّ إلى خلق تعاطف عربي يؤسّس لتعاون عربي – إيراني تماماً كما حدث مع الرئيس الأسبق صدام حسين.

جريمة الإبادة… تمنع “التحالف الدولي”

تحاول الولايات المتحدة الآن إقامة تحالف عربي تحت مظلّتها كما فعلت في عام 1992، لكن دون ذلك استمرار جريمة الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، ورفض نتنياهو حتى من حيث المبدأ المقترح الأميركي لإقامة دولة فلسطينية لحلّ أزمة المنطقة على قاعدة الدولتين.

لم تمكّن الولايات المتحدة الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين من استثمار ردّ فعل إسرائيل على قصفها بالصواريخ العراقية، فأقامت تحالفاً عربياً معادياً له شمل حتى الرئيس السوري السابق حافظ الأسد.

نجحت الولايات المتحدة اليوم أيضاً في تفشيل إيران في استثمار ردّ فعل إسرائيل على قصفها بالصواريخ الإيرانية عن طريق الاكتفاء بالردّ الشكليّ (الذي يحمل رسائل ضمنيّة ذات بُعد تهديديّ).

تجسّد النجاح الأوّل في تحرير الكويت.

فهل يتجسّد النجاح الثاني في تحرير فلسطين؟؟

محمد السماك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.