السّودان: إيران وروسيا تريدان قواعد عسكريّة

22

بقلم محمد السماك

«أساس ميديا»

يغطّي غبار القصف الإسرائيلي على غزة ولبنان صور المأساة المروّعة التي تعصف بالسودان، أكبر دولة عربية من حيث المساحة. فقد اضطرّ حتى الآن خُمس السكان، أي ما يعادل عشرة ملايين إنسان، إلى الهجرة. وتخيّم المجاعة على البلاد، وهو ما يذكّر بالمأساة الإنسانية المماثلة التي عصفت بجارتها الحبشة في الثمانينيات من القرن الماضي. ويتوقّع الخبراء أن تؤدّي هذه الكارثة الإنسانية إلى موت مليونين ونصف مليون سوداني مع نهاية هذا العام. لذلك توصف مأساة السودان بأنّها الأسوأ والأخطر التي يواجهها عالم اليوم، وأخطر ما فيها رغبة إيران وروسيا بإقامة قواعد عسكرية على أراضيه.

لا تقف المأساة عند حدود السودان المترامي الأطراف. فللسودان حدود على البحر الأحمر تمتدّ لمسافة 800 كيلومتر. وهذا يعني أنّ مأساته لا بدّ أن تترك بصماتها العميقة على الملاحة في هذا البحر، وخاصة على قناة السويس.

منذ استقلال السودان في عام 1956 وهو ينتقل من صراع دموي داخلي إلى صراع دموي آخر. من مأساة دارفور العنصرية، إلى مأساة الجنوب الطائفية التي أدّت إلى انفصاله، ليدخل هو الآخر، أي جنوب السودان، في حرب أهلية أيضاً، قبل أن تستقرّ الأمور، ولو مؤقّتاً، في قبضة رئيسها الحالي الجنرال غارانغ.

أسفر الصراع العسكري المدمّر بين قوات الجيش وقوات الدعم السريع عن إحراق المزروعات والمحاصيل الزراعية، فأدّى إلى انتشار المجاعة، حتى إنّ الدراسات الدولية تحذّر من أنّ المجاعة سوف تصيب ما بين 6 و10 ملايين سوداني هذا العام.

ثمّ إنّ ما يحدث الآن في السودان من مخاطر ومآسٍ بدأ بالتسلّل إلى دول الجوار، وخاصة إلى مصر في الشمال وإلى ليبيا وتشاد في الغرب وإلى إثيوبيا في الجنوب. وتواجه هذه الدول المجاورة تدفّق المسلّحين الجائعين، الأمر الذي يعرّض استقرارها الداخلي للخطر.

لا تقتصر مضاعفات الأزمة السودانية على هذا، فالمهاجرون السودانيون وصلوا إلى أوروبا. وهم يشكّلون الآن 60 في المئة من المهاجرين المتجمّعين في منطقة “كاليه” في شمال غرب فرنسا والذين يحاولون التسلّل إلى بريطانيا عبر بحر المانش. ولقد غرقت مراكبهم المطّاطية الضعيفة، وأدّى ذلك إلى موت العشرات منهم غرقاً.

عيون روسيا وإيران.. على قواعد سودانيّة

على الصعيدين السياسي العسكري تتطلّع كلّ من روسيا وإيران إلى إقامة قاعدة عسكرية لها في السودان تمكّنها من السيطرة أو إثبات الحضور المؤثّر على الملاحة في البحر الأحمر.

حاولت الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية العمل على حلّ مشكلة دارفور، لكن دون جدوى حتى الآن. وفشلت قبل ذلك في وقف الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب، إلا أنّ الانفصال فرض نفسه. ويخشى أن يتجدّد الآن مع دارفور أيضاً.

يبدو أنّ العالم قطع الأمل من إمكان المحافظة على وحدة السودان، أكبر دولة إفريقية من حيث المساحة، ويبدو أنّه مستسلم لوقائع الحرب الأهلية بين الجيش وقوات الدعم السريع، التي تعصف به وبكلّ ولاياته.

هناك مصالح دولية مشتركة لإنقاذ السودان تتقدّمها سلامة وحرّية الملاحة في البحر الأحمر، ووقف تدفّق المهاجرين. ويتقدّم ذلك قطع الطريق أمام إيران وروسيا لاستغلال الوضع المتدهور من أجل إقامة قواعد عسكرية لهما في مناطق من السودان مطلّة على البحر الأحمر. من هنا تدخل الأزمة السودانية في لعبة الأمم إقليمياً ودولياً على حدّ سواء. وذلك في الوقت الذي تتوقّع فيه هيئات دولية موت مليون سوداني جوعاً مع نهاية العام الحالي. وإذا لم تحلّ المشكلة الآن، تقول التقديرات الدولية إنّ عدد الذين سيموتون جوعاً قد يصل إلى عشرة ملايين في عام 2027.

بدأت الحرب الداخلية في السودان في شهر شباط 2023، وأدّت حتى الآن إلى مقتل 150 ألف سوداني وتدمير 245 بلدة وقرية. وتدمّرت أيضاً معظم أحياء العاصمة الخرطوم. وهاجر 20 في المئة من الشعب السوداني الذي يبلغ عدده 50 مليوناً، 8 ملايين منهم هاجروا إلى مخيّمات في الداخل.

لا يعاني السودان من حرب واحدة. بل يعاني من ستّ حروب في وقت واحد، وهي حروب قبلية وإثنية، وخاصة في المناطق المتاخمة للجنوب المنفصل على أسس عرقية ودينية.

لا يوجد وقت (ولا جهد) لدفن القتلى والموتى. تُلقى الجثث في نهر النيل وتتكفّل التماسيح بالباقي.

محمد السماك

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.