السّوداني يراسل إيران عبر السعودية

13

بقلم حسن فحص

«أساس ميديا»

لم يتأخّر رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني ومعه قادة القوى السياسية في قراءة الرسائل المترتّبة على المتغيّرات التي حصلت على الساحة السورية وهروب رئيس النظام بشار الأسد خلسة تحت جنح الظلام تاركاً أقاربه وأتباعه ومؤيّديه في العراء من دون أن يسحب عليهم الغطاء الذي وفّر له الخروج الآمن من سوريا. والأخبار الأوّلية تشير إلى أنّه فهم الدرس اللبناني والفلسطيني.

 تأتي الزيارة المفاجئة وغير المجدوَلة التي قام بها وزير الخارجية الأميركي لبغداد بعد سقوط الأسد من باب استكمال تأكيد الرسائل السورية. وستكون للاستمرار أو الإصرار على الاصطفاف إلى جانب المشروع الإيراني في الإقليم عواقب غير محبّبة وغير جيّدة للعراق والعملية السياسية فيه.

التأكيد الأميركي للرسالة التي بعثها التغيير في سوريا جعل قادة الفصائل العراقية، سواء المنضوية تحت راية العملية السياسية أو تلك التي رفعت شعار المقاومة، يرتعدون ويهتزّون، نتيجة خوفهم من أن يكونوا المقصد التالي لعملية استهداف وتفتيت الأذرع الإيرانية في الإقليم بعد غزة ولبنان وسوريا.

قراءة السوداني الدقيقة للمتحوّل السوري، وما سبقه على الساحة اللبنانية، وصلت إلى نتيجة بأنّ الأمور تذهب إلى مرحلة جديدة مغايرة لما كان سائداً، وأنّ الأجواء باتت مهيّأة للبحث عن مظلّة قويّة قادرة على دعم استقرار العراق وإخراجه من عين العاصفة التي تحيط به.

من هنا جاءت الزيارة السريعة التي قام بها للمملكة العربية السعودية واللقاء الذي عقده مع وليّ العهد الأمير محمد بن سلمان، باعتبار أنّ السعودية هي الدولة الأكثر قدرة على توفير مظلّة عربية وإسلامية للعراق في المرحلة المقبلة، من دون أن يكون لدى السوداني نيّة الدخول بمواجهة مع الجار الإيراني أو الذهاب إلى العداء المباشر معه لأنّ زيارة الرياض – العلا، واللقاء مع وليّ العهد، أدّيا جزءاً من مهمّة إيصال رسالة عراقية إلى القيادة الإيرانية بأنّها لم تعد قادرة على توفير الحماية بالحدّ الأدنى، ولم تعد قادرة على مصادرة العراق باتّجاه السياسات التي تخدم مصالحها الإقليمية، بالإضافة إلى أنّ طهران لم تعد تملك حرّية التصرّف على الساحة العراقية بما يضمن لها مصالحها ومصالح حلفائها، خاصة أنّ الارتدادات السلبية للضربات والنكسات التي لحقت بالمحور الذي تقوده لم تصل إلى نقطة النهاية بعد.

 ضرب اليمن… بدل أو قبل العراق؟

قد ينجح السوداني بدعم عربي وأميركي في إخراج أو إبعاد العراق عن العودة إلى دائرة الفوضى من جديد، خاصة أنّ استقراره يشكّل نقطة التقاء لجميع الأطراف الدولية والإقليمية، بما فيهم إيران. ولا تبدو إمكانية تحقيق هذا الهدف مستعصية في ظلّ عودة التركيز الإسرائيلي والأميركي على مأزق التعامل مع السلطة الحوثية في اليمن وضرورة وضع حدّ لها.

ربّما المؤشّر إلى صعود اليمن إلى أعلى قائمة الاهتمام يكمن في التضخيم الذي تتحدّث عنه تل أبيب لما يقوم به اليمن، سواء في البحر الأحمر وباب المندب أو في الصواريخ التي يطلقها باتّجاه إيلات وتل أبيب، الأمر الذي يوفّر الغطاء لها ومعها أميركا أمام المجتمع الدولي لاتّباع سياسة تصعيدية قد لا تؤدّي إلى إخراج الحوثيين من السلطة، إلا أنّها تفرض عليهم ما سبق أن فرضت على “الحزب”، حليف الحوثيين.

جهود السوداني في توفير مظلّة عربية ودولية لاستقرار العراق لا بدّ ومن المفترض أن تقترن بخطوات على الصعيد الداخلي من أجل إقناع هذه الدول والعواصم بالنوايا العراقية الجدّية بالتغيير، وتحديداً في النقاط التي تشكّل مصادر قلق لدى هذه الأطراف، في ظلّ الفرصة السانحة أمام حكومته.

لا شكّ أنّ السوداني استطاع تجنيب العراق مغامرة بعض الفصائل وجماعات نافذة في قوات الحشد الشعبي، وقطع الطريق على التورّط بالتدخّل المباشر في الأحداث السورية. ولم تكن هذه العملية لتحصل لو لم يوظّف السوداني حجم المخاطر التي قد تتعرّض لها العملية السياسية والوجود العراقي دولةً وسلطة، لدفع القوى السياسية المنخرطة بالخيار الإيراني للاختيار بين الفوضى المتوقّعة واستقرار العراق.

إذا ما كتب للسوداني النجاح في الجهود التي يبذلها لإبعاد الخطر عن العراق، فإنّ شروطاً وخطوات لا بدّ أن يتّخذها بالتزامن مع هذه الجهود. فالجانب الأميركي لم يعد يرضى بأنصاف الحلول التي كانت مسيطرة في المرحلة السابقة. وتفاهم المصالح واختبار النوايا اللذان حكما العلاقة بين واشنطن وطهران على الساحة العراقية لم يعودا مجديين في ظلّ ما تعرّض له النفوذ الإيراني من ضربات. وبالتالي على السوداني التوفيق بين الجهود مع الخارج وبين خطوات عملية على المستوى الداخلي تعزّز الثقة الإقليمية والدولية بوجود نوايا صادقة لدى العراق للانتقال إلى مرحلة جديدة.

“الإطار التّنسيقيّ”: تسليم السّلاح

السوداني الذي تحكمه علاقة متوتّرة مع “الإطار التنسيقي” الشيعي الذي جاء به إلى السلطة، بات قادراً على توظيف الهلع الذي أصاب المحور الإيراني وقيادات القوى السياسية المشكّلة لـ”الإطار”، للدفع باتّجاه سياسات جديدة في التعامل مع دور هذه القوى والفصائل داخل العملية السياسية والأمنيّة، من خلال وضعهم أمام واحد من خيارين:

– إمّا أن يكونوا الهدف التالي بعد سوريا ولبنان وغزة في عملية التغيير بالقوّة وبعملية قيصرية، وما يعنيه ذلك من خسارتهم للسلطة والنفوذ والدور، وبالتالي الخروج منها وملاحقتهم.

– وإمّا أن يعودوا أو يدخلوا في كنف الدولة وحضنها بشكل جدّي ومختلف، ويتخلّوا عن مشاريعهم خارج الحدود العراقية، وعن دورهم كأداة لتنفيذ الإرادة الإيرانية ومصالحها الإقليمية.

يعني هذا التخيير أنّ على القوى السياسية المشكّلة لـ”الإطار التنسيقي” حسم موقفها بالتخلّي عن الازدواجية في التعامل مع الدولة، وإنهاء اللعب على حبال الهيمنة على الحياة السياسية، من خلال الاحتفاظ بأجنحة عسكرية وتوظيف سلاحها لفرض مكاسب سياسية، أي إنهاء ثنائية السياسة والعسكر التي تمارسها، الأمر الذي يوجب عليها تفكيك هذه الأجنحة العسكرية لاستمراريّتها السياسية.

إنهاء ثنائية السياسة والعسكر لدى القوى المشكّلة لـ”الإطار التنسيقي” وتحالف إدارة الدولة يفتح الطريق أمام الخطوة التالية لإنهاء الثنائية الأخرى في التعامل مع قوات الحشد الشعبي، من خلال إنهاء سيطرة وهيمنة هذه القوى والفصائل على قرار وتوجّهات هذه القوّة العسكرية. والتالي هو تعزيز سلطة القائد العامّ للقوّات المسلّحة رئيس الحكومة عليها باعتبارها صنفاً من صنوف القوّات المسلّحة ومن المفترض أن تلتزم توجيهات الدولة كباقي قطاعات القوّات المسلّحة والقيادة المشتركة.

السّوداني يريد حماية “الحشد”

ترتيب البيت الداخلي للحشد الشعبي يسمح للسوداني بتسويغ موقفه الرافض لأيّ ضغوط قد يواجهها وتطالبه بحلّ هذه القوات، خاصة أنّ الحشد الشعبي يعتبر قوّة رسمية تشكّلت بناء على القانون رقم 40 لسنة 2016 الصادر عن مجلس النواب العراقي. وهو ما سيفتح الطريق أمام توظيف موقف المرجعية الرافض لأيّ إملاءات خارجية على العملية الداخلية للعراق، مع احتفاظ النجف بمسافة صلبة تقطع الطريق أمام توظيف موقعها ودورها في توجيه الاتّهام لها بلعب دور سياسي حاول مندوب الأمم المتحدة في العراق محمد الحسان جرّها إليه. وهو ما دفع المرجع السيّد علي السيستاني لرفض لقائه ثانية، وأصدر توضيحاً بأنّ الزيارة الثانية اقتصرت على لقاء مع مكتب المرجع.

يملك السوداني ورقة رابحة في مواجهة مطلب حلّ الحشد الشعبي، وهي الحاجة إلى هذه القوّات ودورها في إسناد القوّات المسلّحة لمواجهة المخاطر الأمنيّة، خاصة أنّ صنوف القوّات المسلّحة تعاني من نقص كبير في العديد الذي يسمح لها بتعزيز انتشارها في المناطق المهدّدة، بالإضافة إلى الدور الذي لعبه الحشد في الحرب ضدّ الإرهاب. وهي حاجة قد تتفاقم في حال ذهبت الولايات المتحدة إلى تطبيق الاتّفاق أو التفاهم الذي وقّعته مع بغداد خلال الحوار الاستراتيجي بينهما، والذي يقضي بانسحاب قوات التحالف الدولي بدءاً من أيلول من عام 2025.

الحاجة إلى تطويع أعداد من المقاتلين في القوّات المسلّحة قد تفتح الطريق أمام السوداني لإيجاد حلّ لأزمة الفصائل المسلّحة أو الميليشيات الناشطة خارج إطار الحشد الشعبي. وهنا يمكن الإشارة إلى الفصائل التي تشكّل الأذرع العسكرية لقوّة القدس في حرس الثورة الإيرانية، أي كتائب حزب الله وحركة النجباء وكتائب سيّد الشهداء، التي تنطبق عليها معادلة “السلاح خارج الدولة”، بالإضافة إلى قوّة مسكوت عنها تتمثّل في “سرايا السلام”، الجناح العسكري للتيار الصدري بقيادة مقتدى الصدر، التي تعمل خارج إطار القوّات المسلّحة والحشد الشعبي وتحتفظ بمناطق نفوذ على حساب الدولة ومؤسّساتها العسكرية. وبالتالي يمكن دمج واستيعاب عناصر هذه الفصائل من خلال تطويعهم في القوّات المسلّحة وإنهاء هذه الحالة خارج الدولة.

في الخلاصة، العراق أمام خيار لا ثاني له، وهو تسليم سلاح المجموعات الإيرانية، مع إمكانية دمج بعضها بالمؤسّسات الرسمية، وإلّا فسيكون مصيرها مشابهاً لما جرى في لبنان وغزّة، ولما يجري التحضير له في اليمن.

حسن فحص

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.