الحزب يتحضّر للضّربة: تنسيق مع جنبلاط… وتهيئة لـ”البيئة”
بقلم جوزفين ديب
«أساس ميديا»
زحمة مبادرات داخلية تحاول مواكبة تطوّرات الخارج. إلا أنّه لا شيء منها يضاهي بأهمّيته الأحداث التي تتسارع في الداخل الإسرائيلي من استقالات للمقرّبين من واشنطن من حكومة الحرب. وذلك على خلفيّة الخلاف حول موقف تل أبيب الرسمي من مقترح الرئيس الأميركي جو بايدن بشأن التهدئة في غزة، وخصوصاً تطبيق صفقة التبادل بين إسرائيل وحماس.
أوفدت واشنطن وزير خارجيّتها أنتوني بلينكن في زيارة هي الثامنة له للمنطقة منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة في 7 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، لمحاولة إقناع الأطراف كافّة بالدخول في تسوية. في هذا الوقت كان حزب الليكود قد استبق المساعي الأميركية ورفع في شارع تل أبيب الرئيسي “ديزينغوف” لافتة وضع عليها صور نتنياهو وترامب وكتب عليها “بانتظار 5 تشرين الثاني”، وهو موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة.
كيف سينعكس ذلك على لبنان؟ في الواقع أنّ لبنان أمام مسارين متناقضين، إمّا الذهاب إلى تسوية اليوم، وإمّا انتظار العهد الأميركي الجديد، وبالتالي ربّما انتظار عهد برلماني جديد في لبنان.
حرب بانتظار ترامب
تزامناً مع التصعيد الذي يتكرّر على لسان بن غفير وسموتريتش، تأتي اللافتة المعلّقة على الشارع الرئيسي في تل أبيب في سياق الإرادة الإسرائيلية الواضحة لأن تستمرّ الحرب والقضاء على حماس من جهة، وضرب لبنان من جهة أخرى.
في هذا السيناريو سقوط لكلّ مساعي التهدئة وحديث عن ضربة إسرائيلية موجعة للبنان لن تقتصر على مناطق نفوذ الحزب. بل تتحدّث المعلومات أنّ مراجع دبلوماسية تبلّغت أنّ إسرائيل ستستهدف مرافق حيوية في حرب لن تكون نزهة.
في المقابل، تتحدّث مصادر داخلية أنّ التحضيرات بدأت على الأرض لاستيعاب أيّ ضربة مقبلة. إذ يعتبر الحزب أنّ توفير مناطق نزوح آمنة لبيئته هو من أولويّات أيّ حرب مقبلة، وبالتالي أصبح في هذه المرحلة من التحضيرات، لكنّ التنسيق الأكبر سيكون مع وليد جنبلاط لتشابك الشوف وعاليه جغرافيّاً، حيث نفوذ جنبلاط، مع الجنوب اللبناني. يدرك الحزب هذه المرّة أنّ “حماية ظهره” من خلال حماية بيئته لن تكون في المناطق الخاضعة لنفوذ الأحزاب المسيحية التي تعبّر صراحة عن موقفها الرافض للحرب. بالإضافة إلى كلّ المخاوف التي سبق أن ظهرت من إمكانية حصول اقتتال أهلي نتيجة الاحتقان الكبير والانقسام السياسي الحادّ مع الحزب.
اختار الحزب هذه المرّة بعناية كبيرة الحديقة الخلفيّة له. فكان جنبلاط حاضراً، وهو الذي طالما تحدّث عن أولوية السلم الأهليّ والمحافظة عليه. فاختاره الحزب سنداً ليواجه به التهجير المقبل لأهل الجنوب في حال حصوله، محاولاً ومخطّطاً لتخفيف الضغط عنه، حتى لا يكون ملفّ بيئته خاصرته الرخوة وعدم ليّ ذراعه في المراحل الأخيرة من التفاوض.
تسوية في الصّيف
في المقابل، تقول مصادر دبلوماسية إنّها لم تفقد الأمل بعد من الجهود الهادفة إلى نجاح المقترح الذي قدّمه بايدن، لأسباب كثيرة تتعلّق بأنّ البديل أمام حماس وإيران والحزب قد يكون دونالد ترامب الأكثر تشدّداً تجاه المنطقة. وبالتالي لا يزال التعويل على الضغط الأميركي الذي سيمارسه بلينكن من القاهرة إلى الأردن وتل أبيب ليلعب كلّ طرف دوره في إنجاح المسعى.
نجاح المسعى الأميركي يعني وقف إطلاق النار، وبالتالي الذهاب إلى تسوية مع حماس وإيران والحزب على قاعدة وقف الحرب وتطبيق القرار 1701 بجزئيّته على الأقلّ بعدما أصبحت عناوينه واضحة بين آموس هوكستين والرئيس نبيه بري.
يتحدّث السيناريو المرافق لنجاح التسوية عن تصعيد أمنيّ إسرائيلي يقابله تصعيد من الحزب، فتتداعى الدول على إثرهما لإيجاد حلّ للرئاسة والحدود معاً.
أيّ من المسارين سيكون بانتظار لبنان؟ يتوجّه في 24 تموز نتنياهو إلى واشنطن لإلقاء كلمة أمام الكونغرس. وهي كلمة منتظرة نسبة إلى اشتداد المعركة هناك. قبل ذلك، في نهاية حزيران قد يخوض بايدن مناظرته مع ترامب من دون الورقة الرابحة التي حضّر لها طويلاً ليبني عليها مساراً مشتركاً مع المملكة العربية السعودية.
كلّ الأوراق اختلطت في المنطقة قبيل موعد رئاسة أميركا، وفي حال خسر لبنان فرصة التسوية قبلها، لن يكون له رئيس قبل موعد انتخاباته النيابية المقبلة المقرّرة مبدئياً في ربيع 2026. وعدم انتخاب رئيس للبلاد، لن يزيد من الصعوبات الداخلية والخارجية على لبنان فحسب، بل إنّ ملفّ النازحين السوريين سيزداد تعقيداً، مع قرع أحزاب اليمين المتطرّف أبواب أوروبا في انتخابات البرلمان الأوروبي، الأحد الماضي، خصوصاً أنّ من أولويات هذا اليمين المتطرّف ما عبّرت عنه رئيسة التجمّع الوطني، مارين لوبان، من أنّ أولويّة حزبها هي “إعادة جميع اللاجئين في أوروبا إلى ديارهم، من دون استثناء”.
جوزفين ديب