الحزب بعد الحرب: قليل من “العسكرة” وكثير من السياسة (2)

34

هشام عليوان

«اساس ميديا»

يتطلّع نتنياهو لقبض الثمن الغالي، بعد إنجاحه ترامب في الانتخابات، وهو إكمال الطريق نحو النصر النهائي: التخلّص من الدور الإيراني في المنطقة على الأقلّ، والتخلّص نهائياً من فكرة حلّ الدولتين، وذلك في الأقلّ. أمّا الحلّ النهائي كما يراه المتطرّفون في إسرائيل فهو ضمّ الضفة الغربية، وجرف قطاع غزة، لا بمعنى العودة إلى ما قبل اتفاق أوسلو لعام 1993، بل استئناف ما بدأه مؤسّسو إسرائيل عام 1948.

ما هو المطلوب من الحزب؟

أهمّ ما ينبغي على قيادة الحزب في لبنان التدقيق في الأسئلة العميقة التي يتداولها اللبنانيون فيما بينهم، والشيعة خاصة، وإيجاد الإجابات المناسبة لها، لأنّ هذه الأسئلة مهمّة، وقد تضاهي بخطورتها التهديد الخارجي الراهن.

– أوّلاً: من وجهة نظر شيعية بحت، ثمّة قلق كبير على مكتسبات الطائفة، من عهد الإمام موسى الصدر، أي منذ أكثر من نصف قرن، وذلك باعتبار أنّ الحزب هو حلقة أساسية في سلسلة مترابطة من النهوض الشيعي، اجتماعياً وسياسياً واقتصادياً، الذي اتّخذ في زمن الحزب، شكلاً عسكرياً أكبر من قدرة لبنان نفسه، ومن جغرافيته الصغيرة نسبياً. فدمار الحزب قد يصبح موازياً لدمار الطائفة.

صحيح أنّ بعض الشيعة بعد السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، لم يكونوا مساندين لحرب إسناد غزة، وبات جمهورهم الآن أكثر اقتناعاً بين 17 و27 أيلول المنصرم بعدم صوابيّة الانخراط في “طوفان الأقصى”، إمّا خوفاً من الانتقام الإسرائيلي من الحزب ومن المناطق الشيعية عموماً، أو اعتقاداً بعدم جدوى المعركة بالنسبة لغزة نفسها… لكن وقد ظهر أنّ إسرائيل كانت تخطّط جيّداً لهذه الحرب منذ انتهاء حرب تموز 2006، فنجحت في اختراق “داتا” الحزب، من القاعدة إلى رأس الهرم، عمودياً وأفقياً، وزرعت المتفجّرات في أجهزة البيجر واللاسلكي، وتنصّتت على شبكة الاتصالات الداخلية، وجنّدت العملاء، وأفادت من محصّلة المعلومات الاستخبارية العالمية، وليس من طريق الولايات المتحدة فقط، فإنّ السؤال الأبرز هو: لماذا خاض الحزب نصف حرب مع إسرائيل، ما دام حجم الدمار هو نفسه في كلتا الحالتين؟

المهمّ أنّ الفرصة ضاعت بنظر مؤيّدي الحزب. ولن يكون متاحاً بسهولة استعادة الحزب قوّته كما كانت، ليس عسكرياً فحسب. والنظر الواقعي في هذه الوقائع يفرض قراءات مختلفة للخطاب الحالي، الذي هو متلائم فقط مع الصوت المرتفع للمعركة.

– ثانياً: كانت حرب إسناد غزة الأكثر إشكالية في الداخل اللبناني. فحتى انخراط الحزب في حرب إسناد النظام السوري الحالي، منذ بدايات الحراك الشعبي، إبّان ما سُمّي بـ”الربيع العربي”، كانت مؤيَّدة من أكثر من نصف اللبنانيين، كلّ الشيعة تقريباً ومعهم على الأقلّ أكثر من نصف المسيحيين، لا سيما بعد تحوّل الصراع في سوريا إلى قتال دموي ومرير بين النظام وحلفائه من جهة، والفصائل السورية المسلّحة والجماعات الجهادية الأممية، وعلى رأسها تنظيم الدولة الإسلامية أو داعش.

شرخ عموديّ

أمّا حرب إسناد غزة فأحدثت في البداية شرخاً عمودياً بين المسلمين والمسيحيين. فالشيعة وبعض السُنّة عموماً يؤيّدونها من حيث المبدأ، ويخشون عواقبها. والمسيحيون إجمالاً ضدّها بقوّة، ويحذّرون من نتائجها الوخيمة ليس على لبنان فقط، بل على بقاء الدولة كما هي حالياً.

لكن مع تحوّل الحرب الإسرائيلية، بعد 17 أيلول الماضي، إلى حرب إبادة ضدّ الشيعة ورموزهم وقياداتهم، وحواضرهم، من قرى ومدن في طول البلاد وعرضها، وحتى مراكز الإيواء في مناطق مختلفة غير ذات الأغلبية الشيعية، فقد كان المفترض إعادة النظر في شعار المعركة، ووضع الأولوية لحماية لبنان، بعدما بات إسناد غزة غير ذي علاقة بالمجريات والوقائع.

إسرائيل لا تعمل من أجل لبنان، وإن كانت تحاول خداع اللبنانيين بأنّها تخلّصهم من الحزب عدوّهم اللدود. ولا يهمّ نتنياهو قيام دولة قويّة في لبنان، واستراتيجية إسرائيل في المنطقة تعمل على تجزئة المجزّأ، وتقسيم المقسّم، والمشاريع والخطط معروفة منذ عشرات السنين. وبإزاء الخطر الداهم ليس على الحزب أو الطائفة فقط، بل على وجود لبنان، كان عليه أو ينبغي له طرح خطاب سياسي وطني يجمع معظم اللبنانيين على هدف مشترك، فخطاب قبل الطوفان وأثناءه لم يعد جاذباً حتى لمعظم الشيعة.

قد يكون من المبالغة القول إنّ الحزب انتهى كتنظيم، أو كأيديولوجية، لكنّه بعد الحرب لن يكون نفسه، أو نسخة من الماضي القريب، حتى لو أراد ذلك.

هشام عليوان

 

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.