الأسد أمام الخيار: تسوية أو إسقاط

48

بقلم د.سمير صالحة

«اساس ميديا»

على النظام في دمشق أن يقدّم الكثير بعد الآن إذا ما كان يريد الخروج من ورطته. ليس لإيران هذه المرّة، بل للتفاهمات الإقليمية التي تقودها أنقرة وموسكو. هل يكفيه ذلك للبقاء في كرسي الحكم؟ المسألة في غاية الصعوبة والتعقيد. خياره الأفضل تسهيل المرحلة الانتقالية السياسية في سوريا وفتح الطريق أمام توجّه البلاد صوب مرحلة جديدة يريدها اللاعب الإقليمي من كلّ صوب.

بعد أيّام على تحريك الفصائل السورية المعارضة تحت غطاء “ردع العدوان” بهدف إبعاد قصف قوات النظام السوري وحليفَيه الروسي والإيراني عن مناطق إدلب، تحرّكت قوات “الجيش الوطني السوري” المعارض وهي ترفع لافتة “فجر الحرّية” باتّجاه استرداد مناطق انتزعها منها النظام والميليشيات الإيرانية قبل سنوات في ريف حلب الغربي وريف إدلب الشرقي.

في اليوم الخامس اتّضحت الصورة على الأرض أكثر فأكثر. تأخذ الفصائل السورية مدينة حلب وسراقب والعمق السوري وتتحرّك باتّجاه مدينة تل رفعت في محاولة للتقدّم على 3 جبهات دفعة واحدة، وتوجيه 3 رسائل مرّة واحدة:

– للنظام في دمشق: إنّ الوقت قد حان وساعة الصفر اقتربت والخيارات أمامه محدودة جدّاً بعدما رقص لسنوات على الحبل الرفيع لسياسة حافة الهاوية واستفاد منها إيرانياً وروسيّاً وعربياً.

– لإيران: إنّ مفعول العلاج المذهبي الإقليمي الذي فرضته على أجزاء من لبنان وسوريا والعراق يتهاوى بقرار إقليمي دولي.

– مجموعات “قسد”: إنّ رهانها على محاولة ملء الفراغ الجغرافي الذي ستتركه قوات النظام شرق سوريا لن تسمح به واشنطن.

لكنّ مضمون الرسائل السياسية التي تحملها العمليات العسكرية التي تنفّذها فصائل المعارضة السورية عبر اللاعبين الإقليميين المعنيّين بالملفّ السوري أكبر وأهمّ من ذلك حتماً:

– سقوط أوراق المعادلات والتوازنات المعمول بها قبل فجر الأربعاء المنصرم سياسياً، لأنّ كلّ ما ستحاول طهران فعله بعدما أعلنت تركيا سقوط كلّ المنصّات الإقليمية المتعلّقة بسوريا، هو محاولة إقناع أنقرة بتضييق رقعة المساومات والصفقات الإقليمية لكي لا تتشعّب وتصل إلى العمق الإيراني نفسه.

– تذهب التطوّرات كلّها باتّجاه فتح الطريق أمام تفاهمات أميركية روسية ذات طابع شمولي تدعمه وتريده العديد من دول المنطقة، لأنّ سياسة إبقاء الأمور على ما هي عليه في سوريا، التي تدعمها وتريدها طهران، تتعارض مع مصالح وحسابات الكثيرين.

– وصلت موسكو إلى قناعة بأهمّية ما تقوله تركيا بهذا الخصوص في إطار صفقات سياسية واسعة على أكثر من جبهة إقليمية، بينها القرم وسوريا.

المخابرات السورية في تركيّا؟

قد تكون أولوية أنقرة دعم الحراك العسكري للفصائل عن بُعد لأنّه سيعطيها الكثير ممّا تريده في مسائل تسهيل عودة اللاجئين والمنطقة الآمنة والتخلّص من ورقة “قسد” والنصرة على السواء. لكنّ أولويّتها غير المعلنة هي تسريعها طاولة التفاهمات الإقليمية الجديدة حول سوريا، مستغلّة الأجواء والمتغيّرات في المنطقة.

هناك حديث عن توجّه وفد عسكري استخباري سياسي سوري على متن طائرة روسية إلى تركيا لبحث ما رفض بشار الأسد الاقتراب منه في الأشهر الأخيرة بقرار إيراني، على الرغم من كلّ النصائح الروسية والعربية، وإبقاء الرئيس التركي رجب طيب إردوغان يده ممدودة في الهواء نحوه.

التّشابه مع مرحلة تسليم أوجلان

أجواء اليوم في الداخل التركي تتشابه مع ما عشناه في تركيا في نهاية التسعينيات عند تسليم سوريا عبدالله أوجلان زعيم “حزب العمّال الكردستاني”، وسط تفاهمات دولية. لن يسلّمها أحد بشار الأسد طبعاً، وهي لا تبحث عن ذلك، لكنّها لحظة مفصليّة للنظام في دمشق كي يقرّر ما سيفعله، إذا ما كان راغباً في البحث عمّا يخرجه من ورطته.

لم يتوقّع أحد حدوث عملية عسكرية واسعة لفصائل المعارضة بهذا الحجم. لكن أيضاً لم يكن هناك من يراهن على خيبة أمل عسكرية من هذا النوع. انسحابات “تكتيكية” شاملة من المواقع، حيث كان النظام في دمشق يعدّ مع الميليشيات الإيرانية لمعركة استرداد إدلب.

من حقّ طهران أن تغضب لأنّ قوات المعارضة السورية انطلقت بعد ساعات على التفاهمات على الجبهة اللبنانية. وكانت تردّد قبل أيام من انطلاق عملية “ردع العدوان” أنّ الأسد محقّ في مطالبة أنقرة بمغادرة الأراضي السورية. ميليشياتها هناك تركت بشار الأسد وحيداً على الجبهات، و”النفخ ” في نار الأسد ليصغي إلى ما تقوله لم ينفعه كثيراً هذه المرّة، فهي تحوّلت إلى العقبة الأهمّ اليوم في طريق الحلحلة في سوريا بإجماع دول المنطقة.

يقول الرئيس التركي رجب طيب إردوغان إنّ يد تركيا ستظلّ ممدودة دائماً إلى الجار السوري بهدف الوصول إلى التوافقات السياسية والاجتماعية الجديدة العادلة والشاملة. لا يدور الحديث عن الأسد هذه المرّة، بل عن سوريا وشعبها والمرحلة الانتقالية فيها.

د.سمير صالحة

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.