استنجاد باسم رفيق الحريري لحماية المطار والبلد!
بقلم خيرالله خيرالله
«أساس ميديا»
بعيداً عن الأجواء الفولكلوريّة التي أحاطت بجولة لعدد من الوزراء اللبنانيين والسفراء والإعلاميين في مطار بيروت بعد نشر صحيفة “ذي تلغراف” البريطانيّة نبأ عن تخزين أسلحة في المطار لمصلحة “الحزب”، يظلّ المطروح سؤالاً في غاية البساطة: هل وقفت الأمور في لبنان على المطار؟
تشير الجولة في المطار إلى خفّة ليس بعدها خفّة في التعاطي مع الوضع الخطير الذي يعاني منه بلد هزّه نبأ نشرته صحيفة بريطانية بارزة تصدر ستّة أيام في الأسبوع تحت اسم “ذي دايلي تلغراف” ويوم الأحد تحت اسم “صنداي تلغراف”. مثل هذا النبأ يمكن أن يكون صحيحاً كما من الوارد جدّاً أنّه مجرّد تسريبة تستهدف التحذير من أنّ مطار رفيق الحريري، الذي استفاق الممانعون فجأة على اسمه، مهدّد بالإقفال في حال اندلاع حرب مع إسرائيل. هل باتت الحاجة إلى الاستعانة باسم رفيق الحريري كي تتوفّر حماية ما للمطار؟
إنّ اسم رفيق الحريري، المعروف من يقف وراء اغتياله مع رفاقه، ليس كافياً لحماية المطار بمقدار ما الحاجة إلى مواجهة الحقيقة بدل الاعتراف بنصف هذه الحقيقة فقط. بعض الحقيقة، التي توجد حاجة إلى مواجهتها، تتمثّل في سعي رفيق الحريري، عبر مشروع الإنماء والإعمار الذي كان وراءه في تسعينيات القرن الماضي، إلى حماية لبنان كلّه. يشمل ذلك المطار الذي بات يوجد اليوم من يتخوّف عليه بسبب نبأ في صحيفة.
لا حاجة لهذه الزّوبعة
عندما يكون بلد بكامله تحت سيطرة “الحزب”، أي تحت سيطرة إيران، لا تعود حاجة إلى إثارة كلّ هذه الزوبعة لدى نشر صحيفة نبأ عن وضع المطار الذي تحدّث وزير الأشغال عن أنّه يمتلك “وضعاً قانونياً”. ما دام البلد كلّه لا يمتلك “وضعاً قانونياً” لا يعود الأمر متوقّفاً على المطار ووضعه القانوني أو غير القانوني. ليس معروفاً على من يضحك ذلك الوزير في عالم يعرف كلّ شاردة عن لبنان ويعرف تحديداً من يتحكّم في واقع الحال بلبنان ومن صاحب قرار الحرب والسلم فيه. يعرف العالم كلّ شيء عن مطار بيروت ووجهة استخدامه ويعرف خصوصاً من يأتي إليه، وما يأتي إليه ويمرّ عبره من طهران ومن غير طهران.
منذ ما قبل توقيع اتّفاق القاهرة في تشرين الثاني 1969 ولبنان يعاني من مشكلة الاعتراف بنصف الحقيقة فقط بدل التعاطي معها كاملة كوحدة غير قابلة للتجزئة. على سبيل المثال وليس الحصر، نفّذ كوماندوس إسرائيلي أواخر عام 1968 غارة على مطار بيروت. فجّر الإسرائيليون في خلال أربعين دقيقة 13 طائرة تابعة للشركة الوطنية (طيران الشرق الأوسط). جاء ذلك بعد خطف ثلاثة شبّان فلسطينيين من “الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين”، انطلقوا من مطار بيروت، طائرة ركاب بُعيد إقلاعها من أثينا في رحلة إلى تل أبيب صيف 1968. حذّرت إسرائيل لبنان. لمّا لم تجد تجاوباً نفّذت عملية مطار بيروت التي لم يفهم لبنان أبعادها والرسالة التي أرادت إسرائيل توجيهها. رأى لبنان، وقتذاك، نصف الحقيقة، النصف المتمثّل في العدوان الإسرائيلي على المطار، في حين كان النصف الآخر يؤكد أنّ على لبنان تحمّل مسؤوليّاته في ما يخصّ خروج مسلّحين فلسطينيين منه من أجل خطف طائرات.
المسألة ليست مسألة مطار
بدل ضبط المطار، ذهب لبنان إلى اتّفاق القاهرة مع ما يعنيه ذلك من خرق لاتّفاق الهدنة الموقّع مع إسرائيل في عام 1949، وهو اتّفاق يوجد حالياً من يترحّم عليه، متجاهلاً ما الذي ترتّب على اتّفاق القاهرة وما الذي يترتّب حالياً على تحوّل إيران إلى صاحبة قرار الحرب والسلم في لبنان.
المسألة ليست مسألة مطار، بل المسألة هي من يسيطر على لبنان ومن يمتلك القرار فيه. يعكس قرار ذهاب “الحزب” للقتال في سوريا، مع ما يعنيه ذلك من إلغاء للحدود القائمة بين البلدين، حقيقة الوضع اللبناني، وهي أنّ إيران تعمل، بفضل أداتها المحليّة التي ليست سوى لواء في “الحرس الثوري”، على تغيير طبيعة البلد نهائياً. ثمّة ما هو أبعد من المطار بعدما ربط لبنان نفسه، أو على الأصحّ وجد من يربطه، بحرب غزّة والنتائج التي ستترتّب عليها في وقت ليس من يستطيع وضع حدّ للوحشية الإسرائيلية التي لا حدود لها.
المسألة ليست مسألة مطار رفيق الحريري الذي اغتيل كي لا يعود هناك من يحمي البلد عن طريق استخدام المنطق بدل الاكتفاء بنصف الحقيقة، أي بأنّ إسرائيل دولة عدوانية تسعى إلى تكريس احتلالها للضفة الغربيّة والقدس الشرقية وتعمل على إزالة غزّة من الوجود. المسألة هي: ألا يزال في الإمكان تفادي حرب كارثية مع إسرائيل بسبب حسابات محض إيرانية؟
الأكيد أنّ لبنان في وضع لا يحسد عليه. ليس كافياً الاستنجاد باسم رفيق الحريري من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه بمقدار ما أنّ الحاجة إلى التعاطي مع الحقيقة كاملة، أي مع واقع أنّ ربط مصير البلد بحرب غزّة هي الطريق الأقصر إلى حرب مدمّرة للبلد. تكفي مشاهد الدمار لقرى جنوبيّة للتأكّد من ذلك، وللتأكّد خصوصاً من أنّ العالم يتذكّر ما لا يريد “الحزب” ومن خلفه إيران تذكّره. يفترض في لبنان أن يتذكّر أنّ خلاصه بقبول الحقيقة كاملة وليس بقبول نصف الحقيقة ورفض الجزء الآخر منها. تقول الحقيقة إنّ الحرب آتية في غياب من يريد تفاديها من جهة، وإنّ شروط تفادي الحرب، وهي شروط لا تزال مرفوضة إيرانياً، معروفة تماماً لدى الوسطاء الأميركيين والفرنسيين من جهة أخرى.
خيرالله خيرالله