إيلون ماسك يغزو الكوكب الإيرانيّ
بقلم أمين قمورية
«أساس ميديا»
اختار دونالد ترامب المخترع العبقري إيلون ماسك لتولّي منصب حكومي في وزارة سمّاها “الكفاية الحكوميّة”.
ماسك صاحب شركات عملاقة تنجز أعمالاً عملاقة: “تسلا” لتصنيع السيّارات الكهربائية، و”سبايس إكس” المتخصّصة بتسهيل الملاحة الفضائية والتحضير لاستعمار المرّيخ، و”بورينغ كومباني” العاملة في مجال البنى التحتية وشقّ الأنفاق الفائقة السرعة، و”نويرالينك” لتطوير تقنيّات ربط الدماغ البشري بأجهزة الكومبيوتر وتضييق الهوّة بين الذكاءين الطبيعي والاصطناعي. يضاف إلى هذه الإمبراطورية منصّة “إكس” التي ينوي تطويرها لتكون “منصّة كلّ شيء” لتقديم الخدمات المتعلّقة بالحياة اليومية، من دفع إلكتروني وتسوّق وحجوزات ومسح ضوئي للرموز والترفيه… فماذا يريد ترامب من ماسك؟ وبالعكس؟
أتاح لإيلون ماسك امتلاكُه شركة “ستارلينك” أن يسيطر على أوكرانيا من خلال نظام الاتّصالات عبر الأقمار الصناعية، وأن يتحكّم بمفاصل الصراع في شرق أوكرانيا ليكتب صفحة جديدة في التاريخ العسكري بجعل التكنولوجيا المتطوّرة والذكاء الاصطناعي و”العين الفضائية” تتفوّق على أحد أكبر جيوش العالم. وهدّد الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بـ”حرق شواربه من الفضاء” بعدما اتّهمه مادورو بتأليب الرأي العامّ ضدّه إثر الانتخابات الرئاسية الأخيرة في فنزويلا. وكان تهديده الساخر بمنزلة إعلان لقدرته على تغيير الأنظمة والتلاعب بمصائر الدول ومساراتها السياسية.
امتلاكه التكنولوجيا وتحكّمه بالذكاء الاصطناعي جعلاه يتطلّع إلى تجسيد الخيال العلمي في عالم الواقع. واتّحاده مع ترامب والنخبة الجديدة الحاكمة في أميركا الترامبيّة يجعله يطمح إلى تجاوز القمر نحو استعمار المريخ، وجعل أميركا تتجاوز هيمنتها على الكرة الأرضية نحو استعمار الفضاء.
إيلون ماسك في إيران
وسط هذه الطموحات طرق إيلون ماسك باب كوكب إيران الذي كانت الطرق إلى واشنطن شبه مسدودة أمامه. فقبل أيّام تداولت وسائل الإعلام تقارير عن لقاء مفترض عقد في 12 من الشهر الجاري بين “مقتحم الفضاء” الأميركي والمندوب الإيراني لدى الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني. وأفادت هذه التقارير أنّ اللقاء كان محاولة للتفاوض غير الرسمي بين إيران والولايات المتحدة في ظلّ التوتّرات المتصاعدة بين البلدين. وسرعان ما لاقى النبأ تغطية واسعة في وسائل الإعلام الإيرانية.
لكنّ وزارة الخارجية الإيرانية عمدت إلى نفيه بحجّة أنّه صناعة إعلامية أميركية بعدما قامت قيامة المتشدّدين في إيران ولم تقعد احتجاجاً على هذا الخرق الدبلوماسي مع الأميركيين في ذروة الحرب المتصاعدة في المنطقة بين إسرائيل وإيران وحلفائها. واتّهم هؤلاء حكومة الرئيس مسعود بزشكيان بمحاولة استنساخ التجربة الفاشلة لسلفه حسن روحاني في التعويل على المفاوضات مع المسؤولين الأميركيين.
لقد كتبت صحيفة “شهروند” الأصولية أنّ الولايات المتحدة تهدف من وراء هذا الخبر “الكاذب” إلى تحقيق بعض الأهداف، منها خلق الانقسام في الداخل الإيراني، وإضعاف محور المقاومة عبر بعث رسائل إلى الجماعات المسلّحة تظهر ضعف إيران وتردّدها في المواقف، وأنّها تهدف إلى إظهار قوّة ترامب في جرّ إيران إلى طاولة المفاوضات. لم يؤكّد إيلون ماسك الخبر، لكنّه لم ينفِه أيضاً. في حين أكّدته كبريات وكالات الأنباء العالمية. والمعروف عن ترامب خلال فترة رئاسته السابقة تفضيله أسلوب التفاوض العلني والصفقات الكبرى. وهو نهج يعكس رؤيته الخاصّة القائمة على تحقيق المكاسب الاقتصادية والسياسية من خلال التفاوض المباشر. ويفضّل أيضاً اعتماد شخصيات مقرّبة منه لفتح قنوات تفاوض مع الخصوم أو الحلفاء، بعيداً عن روتين الأطر الرسمية والبروتوكولات، لا سيما في قضايا حسّاسة مثل البرنامج النووي والنفوذ الإقليمي لطهران.
هل ينجح إيلون ماسك في فتح “مسرب فضائي” يجرّ من خلاله “الكوكب الإيراني” إلى المجرّة الأميركية وفلك المصالح الاقتصادية بديلاً عن مسار الخنادق والأنفاق الثورية؟
خيارات إيران الصّعبة
تتهيّب إيران وصول ترامب إلى البيت الأبيض بعدما أجهض في فترة ولايته الأولى الاتّفاق النووي الذي أبرمته مع سلفه باراك أوباما، وأرهقها مع الأوروبيين بحزمة كبيرة من العقوبات الاقتصادية والمالية والنفطية الثقيلة. وهي اليوم أمام خيارات صعبة:
- القبول بالشروط الأميركية والعودة إلى طاولة المفاوضات في ظلّ ظروف صعبة للغاية اقتصاديّاً وماليّاً.
- تضاف إليها توتّرات إقليمية تهدّد أبرز حلفائها ودورها في المنطقة، وتهديدات إسرائيلية بضرب برنامجها النووي ونفوذها في المنطقة.
- أو الإصرار على سياساتها التي ستؤدّي إلى مزيد من التوتّر مع الغرب والانجرار إلى مواجهة مفتوحة ومباشرة مع إسرائيل التي لا تتوانى عن سعيها إلى توجيه ضربة قاصمة للقدرات الإيرانية، سواء النووية أو النفطية والاقتصادية.
- يزيد الطين بلّة اتّهام ترامب لطهران بمحاولة اغتياله وتهديده بتدميرها في حال تعرّضت مصالح الولايات المتحدة للخطر. يلاقيه في ذلك حليفه الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي بات طموحه الأخير تدمير إيران بعدما دمّر غزة ولبنان، ولاحت فرصته لتغيير الشرق الأوسط على المقاس الإسرائيلي.
إيران تلعب على الحبلين
تضرب إيران ضربةً على الحافر وضربةً على المسمار. تشدّ أزر حلفائها في لبنان وفلسطين للصمود في مواجهة العدوان الإسرائيلي، وتمدّ من تحت الطاولة اليد لأميركا الترامبيّة لعلّها تعيد النظر في سياساتها السابقة وتعمد إلى العودة إلى طاولة المفاوضات وتخفيف العقوبات والضغط الاقتصادي. ولذلك تُفعّل قنوات التواصل غير الرسمية مع الإدارة الأميركية المقبلة، تارة من خلال الدوحة، وتارة أخرى من خلال مسقط. ولا ترى ضيراً في اتّصال مباشر معها عبر النجم الصاعد في السياسة الأميركية إيلون ماسك لدرء مخاطر الطاقم الترامبيّ الجديد المشحون بالعداء للجمهورية الإسلامية والذي يكشّر معظم أفراده عن أنيابهم ويبرزون مخالبهم في وجه طهران، وفي مقدَّمهم الرئيس العائد مدفوعاً برغبة الانتقام والذي توعّد بالعودة إلى سياسة الضغط الأقصى لحرمان طهران من عائداتها المالية وإعادتها خلف حدودها. ولأنّ إيلون ماسك مبدع وعبقري، يبقى الرهان على ابتداعه “مركبة فضائية” قادرة على نقل طهران إلى مسار حلّ النزاعات والتوتّرات بالحوار والتسويات الممكنة والحلول الوسط تجنّباً لإغراق المنطقة في أتون حروب جديدة قد تكون مدمّرة لنظامها نفسه. لكنّ الاختراعات تولد في المختبرات العلمية وليس في منطقة حبلى بالرؤوس الحامية والنزعات الفاشية القاتلة والموروثات التاريخية والجغرافية الثقيلة وبالتعقيدات الجيوسياسية والمشكلات المستعصية والأزمات غير القابلة للحلّ، بدءاً من قضية فلسطين وانتهاءً بالنوويّ والنفوذ الإقليمي الإيرانيَّين.
أمين قمورية