إسرائيل تتوغّل جنوباً: هذه هي حرّيّة الحركة!

29

بقلم جوزفين ديب

«أساس ميديا»

بعد انقضاء نصف مهلة الستين يوماً، الواردة في اتّفاق وقف إطلاق النار، ها هي القوّات الإسرائيلية تدخل وادي الحجير. ذلك الوادي الذي كان في عام 2006 مقبرة الإسرائيليين، يوم تركوا آليّاتهم وأسلحتهم وهربوا. ومنذ ذلك الوقت حتى ما قبل 8  تشرين الأوّل من العام الماضي، كان وادي الحجير أبرز علامات الانتصار على العدوّ، في حرب أرست معادلة الردع التي استخدمها “الحزب” في سرديّته، حتى انقلاب المشهد في حرب عام 2024. 

 يوم أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن إنجاز الاتّفاق بين لبنان وإسرائيل، كان مضمونه لا يزال ضبابيّاً بالنسبة لكثير من اللبنانيين، والسياسيين منهم أيضاً. وتعرّض مضمون الاتفاق لكثير من الأخذ والردّ، إلى أن قرأه القيّمون على الوضع جيّداً وخرجوا منه بخلاصات ووجدوا فيه ثغرات يمكن لهم أن يناقشوا من خلالها مستقبل السلاح في لبنان.

إلّا أنّ ما كان متّفقاً عليه بشكل لا يقبل الشكّ أنّ جنوب الليطاني سيكون منطقة منزوعة السلاح ما عدا سلاح الجيش اللبناني، وذلك بإشراف اللجنة الخماسية على تنفيذ الاتّفاق.

تقول مصادر دبلوماسية لـ”أساس” إنّ “مشهد القوات الإسرائيلية في وادي الحجير ليس سوى تنفيذ للاتّفاق”. وتضيف أنّ هذا المشهد هو نتيجة “التباطؤ في عملية التسليم بين الحزب والجيش اللبناني للمراكز والأسلحة في منطقة جنوب الليطاني، وهو ما يجبر الإسرائيلي على التوغّل بالقوّة لتحقيق ذلك”. وعليه، فإنّ القوات الإسرائيلية تقوم بتمشيط المنطقة المعروفة بأهمّيتها الاستراتيجية لـ”الحزب”، قبل أن تعود وتنسحب منها بعد ضمان عدم وجود أيّ “تهديد” لإسرائيل.

واشنطن: احتمال تمديد مهلة الانسحاب

في اللجنة الخماسية، تعتبر مصادر دبلوماسية مقرّبة من فرنسا أنّ لا شيء سينجح في إيقاف نتنياهو عن استكمال مهمّته التي تحدّث عنها أثناء إعلانه قبوله الاتّفاق. في المقابل، تعتبر مصادر دبلوماسية أميركية أنّ عدم قيام الجيش اللبناني بتسليم منشآت “الحزب” وسلاحه في جنوب الليطاني، يهدّد بتمديد مهلة الستّين يوماً ستّين يوماً إضافية. وهو ما يعني أنّ الانسحاب الإسرائيلي الذي يفترض أن يتمّ في مهلة الستّين يوماً، سيُمدّد له ما دامت إسرائيل ترى حاجة إلى ذلك.

لكن هل هذا يعني أنّ واشنطن تشجّع احتلال إسرائيل لشريط حدودي لبناني؟ حتماً لا، تجيب المصادر، مشيرة إلى أنّ الاتّفاق ينصّ على تثبيت الحدود بين الدولتين، وبالتالي إنهاء أيّ حالة احتلال مقبلة. ولكن لهذا شروط يفترض بلبنان أن يلتزم بها، وإلّا فإنّ شروط الاتّفاق ستتغيّر.

من أجل ذلك، يعود الموفد الأميركي آموس هوكستين إلى لبنان بعد فترة الأعياد، للبحث مع الرئيس نبيه بري في مجرى تنفيذ الاتفاق، على أن يضعه في صورة “الجوّ الإسرائيلي الذي لن يطبّق انسحابه قبل تمشيط كلّ منطقة جنوب الليطاني”.

الحزب قلق ولكن.. 

أمّا “الحزب” فاعتبر على لسان نائبه علي فياض أنّ “توغّل قوات العدوّ الإسرائيلي في الأراضي اللبنانية، وصولاً إلى وادي الحُجيْر، يشكّل تطوّراً شديد الخطورة وتهديداً جدّياً لإعلان الإجراءات التنفيذية للقرار 1701 وتقويضاً للمصداقية الواهنة للّجنة المشرفة على تنفيذه. وهذا التطوّر الذي يظهر تعاطياً إسرائيلياً خارج أيّ التزام  أو إجراءات، وكأن لا وجود لأيّ تفاهم أو التزامات، يوجب على الدولة اللبنانية حكومةً وجيشاً وجهات معنيّة، إعادة تقويم الموقف بصورة فورية، ومراجعة الأداء الحالي الذي أظهر فشلاً ذريعاً في الحدّ من الإمعان الإسرائيلي في استمرار الأعمال العدائية على المستويات كافّة، بما فيها التوغّل في الأراضي اللبنانية وقتل واعتقال المدنيين اللبنانيين”.

أتى موقف “الحزب” هذا تعليقاً على التطوّر الأمني في وادي الحجير. ولكن قبل ذلك بأسابيع، كان مسؤول التنسيق والارتباط في “الحزب” وفيق صفا قد زار قائد الجيش العماد جوزف عون، وكان اللقاء جيّداً ومثمراً على مستوى التفاهم على تنفيذ الاتّفاق في المرحلة المقبلة.

وصلت هذه الأجواء الإيجابية إلى عواصم القرار، لكنّها سرعان ما تهاوت بعدما “أحجم الحزب عن تطبيق ما جرى الاتفاق عليه”، كما تقول المصادر الدبلوماسية المتابعة للملفّ اللبناني.

ختاماً، لا خيارات جدّية أمام لبنان لمواجهة مسار التطوّرات في لبنان والمنطقة، لكنّه يملك خيار الحدّ من الخسائر عبر قطع الطريق أمام أيّ إمكانية لعودة التصعيد. وهذا ما يحتاج إلى تفاهم محلّي بين الحكومة والرئيس برّي و”الحزب”، ويحتاج إلى فهم حقيقي وواقعي للمرحلة المفصلية التي يمرّ بها لبنان. ذلك لأنّ الاستمرار في قراءة الأحداث بغير واقعية سيفاقم الوضع سوءاً لغير مصلحة اللبنانيين، لا سيما أنّ مواجهة إسرائيل ستحتاج إلى تضامن داخلي وتفاهم مؤسّساتي ولا يمكن لها أن تستمرّ محصورة بمواجهة أحادية لـ”الحزب” بعد الحرب الأخيرة.

جوزفين ديب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.