“إخوان” الكويت.. زمن تقليم الأظافر

42

نايف سالم – الكويت

«أساس ميديا»

لو عدنا بالتاريخ 5 أشهر فقط إلى الوراء، لكان المشهد كالتالي في الكويت: جماعة “الحركة الدستورية الإسلامية” (حدس)، وهي الفرع الكويتي لجماعة “الإخوان المسلمين”، مُمثّلة في مجلس الأمّة وتُلاعب الحكومة بأعضاء “علنيّين” و”مُستَتِرين”، ورجالُها مُتغلغلون في غالبية مفاصل الدولة تحت عناوين شتّى، وسيطرتُها قويّة على إيقاع المشهد السياسي، ونفوذها واسع في مفاصل المجتمع.

أمّا اليوم فقد بات هذا المشهد من الماضي، فلا نوّابها فاعلون بعد حلّ مجلس الأمّة وتعليق بعض موادّ الدستور، اعتباراً من أيار الماضي، ورجالها في مفاصل الدولة يتساقطون بطرق ذكيّة، وآخر ضربة “علنيّة” تلقّتها تمثّلت في القرار الحازم بتعليق انتخابات اتحاد الطلبة في الجامعات، الذي كان أحد أهمّ معاقل “الإخوان” الشبابية.

اتّخذت السلطات الكويتية قراراً غير مسبوق بوقف الانتخابات الطلابية، قبل أيام قليلة من موعد إجرائها الذي كان مقرّراً في الثاني والعشرين من أيلول الجاري، وذلك بعدما رأت أنّها “لم تعد تخدم المصلحة العامّة للطلاب”.

صدر القرار عن اجتماع عقده مجلس الجامعات الحكومية برئاسة وزیر التعلیم العالي والبحث العلمي ووزير التربية بالوكالة نادر الجلال، وتضمّن “تعليق ووقف أنشطة الانتخابات الطلابية في جميع مراحل التعليم العالي في الجامعات والكلّيات الحكومية داخل الكويت وخارجها والمؤسّسات التعليمية الأخرى”.

سبب اتّخاذ القرار هو “الانحراف عن الأهداف الأساسية التي تمّ على أساسها هذا العمل النقابي، وهو ما يعكس قلقاً من أنّ العملية الانتخابية الطلابية لم تعد تخدم المصلحة العامة للطلاب ولا تعزّز القيم الديمقراطية التي يجب أن تمثّلها”.

سبق قرار وقف الانتخابات الطلابية بأيّام قيام الأجهزة الأمنيّة الكويتية بإغلاق مبنى اتحاد الطلبة في منطقة الخالدية والتحفّظ على ملفّات وأجهزة كمبيوتر.

أموال مشبوهة

جاء كلّ ذلك بعد ضجّة أحاطت أجواء الانتخابات وما يشوبها من تدخّلات حزبية وقَبَلية ومن استخدام كثيف للمال السياسي فيها، خصوصاً من قبل جماعة “الإخوان”، بما أتاح لها السيطرة المطلقة على اتّحاد الطلبة لأكثر من أربعة عقود.

تعدّدت التحذيرات التي صدرت عن العديد من الجهات ذات الصلة بالتعليم والحياة الجامعية، ومن بينها تحوُّل الانتخابات الطلابية إلى مصدر لزرع التوتّر والشقاق بين الطلبة، وداخل المجتمع ككلّ وتقسيمه على أسس حزبية وقَبَلية، وهو ما ظهر جليّاً من خلال تصاعد ظاهرة العنف داخل الجامعات، كنتيجة للتوتّرات التي تؤجّجها الصراعات السياسية التي تتخلّل المناسبات الانتخابية.

كانت قضية التمويل المشبوه لأنشطة الطلبة ومناسباتهم الانتخابية من أبرز المشكلات التي أثيرت لمناسبة الانتخابات الجديدة، وكذلك ما كشفه بعض أساتذة الجامعة من تحرّكات وندوات تقام على أسس قبلية وفئوية، ومن شأنها زرع الشقاق بين الطلبة.

قال حمود العنزي الأمين العام لجمعية النزاهة الوطنية إنّ “أموالاً مجهولة المصدر تتدفّق بلا حسيب أو رقيب لتمزيق وحدة الحركة الطلابية، وغرس بذور الفتنة بين صفوفها من خلال تقسيم الطلبة إلى توجّهات فئوية وطائفية ضيّقة لا تمتّ بأيّ صلة إلى قِيَم العمل الطلابي”.

ضربة قويّة

يمثّل القرار الجديد، الذي قارنه البعض بقرار حلّ مجلس الأمّة وتالياً وقف الانتخابات البرلمانية، ضربة قويّة لجماعة “الإخوان”، على اعتبار أنّ اتّحاد الطلبة الذي تأسّس قبل 60 سنة، تحديداً في 24 كانون الأول 1964، هو “مصنع تفريخ” القيادات وتدريبها وتأهيلها قبل خوض غمار العمل السياسي، ومنه خرجت غالبية قيادات جماعة “حدس”.

كما أنّه معقل “غسل العقول” و”كسب الولاءات” والتجييش والتحريض والتأليب وتقسيم المجتمع، واستقطاب الشباب من خلال الأفكار الجذّابة “والبروباغندا” الإسلامية… وأيضاً من خلال الأموال والخدمات.

يُعتبر وقف الانتخابات وسحب البساط من تحت أقدام “شباب الإخوان” خطوة أولى وأساسية نحو كبح جماح الجماعة في استقطاب فئة الشباب، والحدّ من سيطرتها على الجامعات والكلّيات، داخل وخارج الكويت.

كما يمثّل، من وجهة نظر كثيرين، بداية لتقويم مسار التعليم الجامعي في الكويت وإعادة الطلبة إلى الشؤون المتعلّقة بتحصيلهم العلمي وتكوينهم الدراسي، بدلاً من انخراطهم في صراعات حزبية وقبلية.

لطالما استخدمت جماعة “الإخوان” اتّحاد الطلبة لبسط النفوذ والهيمنة على مراكز القرار وتوظيفها في خدمة مصالحها وأغراضها، وأيضاً في فرض منظورها على المجتمع. كما فرضت سياسات معيّنة ومقرّرات محدّدة على الجامعة، وكان لها دور في منع الاختلاط بين الطلاب والطالبات.

في هذا السياق، قال وزير التربية السابق بدر العيسى إنّ سيطرة التيّارات الدينية على القوائم الطلابية وانتخابات الاتحاد بلغت درجة كبيرة من التغوّل وقادت إلى انحراف الحركة الطلابية عن أهدافها، وأصبح الهدف الأساسي خلال السنوات الأخيرة تثبيت القبلية والطائفية بعيداً عن أيّ هدف اجتماعي أو دعم طلابي وأكاديمي، معتبراً أنّ غالبية نشاط التيارات الدينية في السنوات الأخيرة كانت لمحاربة الاختلاط في الجامعة وتخريب بنية المجتمع بطرحها الفئوي المتطرّف الذي ينال من اللحمة الوطنية.

الأذرع المتنوّعة

منذ بداياتها في الكويت خلال ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي، ركّزت جماعة “الإخوان” على شريحة الشباب، باعتبارها منبع البدايات لكلّ شيء، وعملت على “تفريخ” الجمعيات والأندية للتأثير على مفاصل المجتمع.

حتى عندما انفصل “إخوان الكويت” عن التنظيم الأمّ بسبب دعمه غزو الكويت في 1991، تغيّر عملهم السياسي ودخل في مسارات متعرّجة حفاظاً على الوجود، لكنّ عملهم الشبابي حافظ على زخمه وكان يسير بخطى ثابتة ضمن مخطّط طويل الأمد.

يمكن القول إنّ لـ”الإخوان” 4 أذرع أساسية في الكويت:

1- جماعة “حدس”، الذراع السياسية.

2- جمعيّة الإصلاح (وأخواتها)، الذراع الدعويّ.

3- اتّحاد الطلبة، ذراع الشباب وتفريخ القيادات.

4- المناصب والكوادر في الدولة.

منذ أشهر، بدأت أذرع “الإخوان” تضعف واحداً تلو الآخر، ربطاً بإجراءات المرحلة الجديدة التي تشهد إعادة تنظيم شاملة على مستوى الدولة في الكويت، ومن الطبيعي أن تلفح تيّارات الإسلام السياسي بقوّة.

مع وقف انتخابات الطلبة بعد انتخابات مجلس الأمّة، يتردّد في الكويت أنّ الدور سيأتي على الجمعيات التعاونية والنقابات والمجلس البلدي، في إطار التوجّه الجديد الرامي إلى إعادة تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية وترتيبها على أساس المواطنة وليس الفئوية والقبلية والطائفية، وعلى أساس الولاء للدولة والوطن أوّلاً، بما يؤدّي إلى “ترسيخ الهويّة الوطنية”، التي باتت عنوان العهد الجديد.

نايف سالم – الكويت

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.