أميركا: الذّكاء الاصطناعيّ يستهدف النّاخب “الجاهل”

13

بقلم موفق حرب

«أساس ميديا»

لعقود من الزمن كانت واشنطن تواجه الاتّهامات بأنّها تتدخّل في الشؤون الداخلية للدول، وتحاول أن توصل حلفاءها إلى مواقع قيادية عن طريق أو الانقلابات. لكن اليوم انقلبت الأمور وأصبحت واشنطن تتّهم دولاً بأنّها تتدخّل في شؤونها الداخلية محاولةً التأثير على نتائج انتخاباتها الرئاسية.

المعروف أنّ الناخب الأميركي لا يقدّم موضوع السياسة الخارجية إلى رأس لائحة أولويّاته، إلا أنّ من يقطن البيت الأبيض له تأثير كبير على الملفّات والنزاعات الدولية.

كان عدد من الدول والشركات الكبرى ولا يزال يلجأ إلى شركات العلاقات العامّة واللوبيات للتأثير على السياسات الخارجية الأميركية. لكنّ تطوّر تقنيّات التواصل والإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي شجّعت بعض الدول التي تمتلك التقنيات والخبرات على أن تتوجّه مباشرة إلى الناخب الأميركي.

أصبحت التدخّلات الأجنبية في الانتخابات الرئاسية الأميركية موضوعاً حسّاساً ومتزايد الأهمية خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع ظهور تقارير متعدّدة عن تدخّلات إلكترونية من قبل روسيا والصين وإيران. هذه التدخّلات تهدف إلى التأثير على الرأي العامّ الأميركي والتلاعب بالنتائج الانتخابية من خلال وسائل متعدّدة، أبرزها الهجمات الإلكترونية وحملات التضليل الإعلامي على مواقع التواصل الاجتماعي.

تدخّل روسيا في انتخاب ترامب

تشمل أساليب التدخّل الأجنبي في الانتخابات الرئاسية الأميركية الهجمات الإلكترونية على أنظمة التصويت وقواعد بيانات الناخبين، بالإضافة إلى نشر المعلومات المضلّلة. ومن أبرز الأمثلة على ذلك، تدخّل روسيا في انتخابات عام 2016 من خلال نشر أخبار زائفة وإعلانات موجّهة عبر الإنترنت تستهدف إثارة الانقسامات وتعزيز الاستقطاب بين الناخبين الأميركيين.

أكّدت التحقيقات الأميركية وجود جهات أجنبية تستخدم منصّات التواصل الاجتماعي لإنشاء حسابات وهمية بهدف نشر الشائعات والمعلومات الخاطئة. ومن أجل الحدّ من ظاهرة التدخّل في الانتخابات أنشأت الحكومة الفدرالية وكالات تعمل في ظلّ المجتمع الاستخباري للحدّ من التدخّلات والكشف المبكر عنها.

ستسمح انتخابات هذا العام للتدخّلات أن تلعب دوراً مؤثّراً في النتائج الانتخابية بسبب التعادل غير المسبوق في استطلاعات الرأي على المستوى الشعبي، وأيضاً بسبب التقارب في الاستطلاعات في الولايات المتأرجحة والحاسمة. لذا التأثير، ولو كانت نسبته ضئيلة، يمكن أن يرجّح كفّة مرشّح على الآخر.

ترامب يغري الدّول بالتّدخّل

ما زاد من اهتمام الدول القادرة على التأثير بطرق غير مشروعة مرشّح مثل الرئيس السابق دونالد ترامب الذي له مواقف من الصراعات والقضايا العالمية يمكن أن تشكّل تحوّلاً كبيراً في حال وصل إلى البيت الأبيض.

على سبيل المثال، هناك الحرب بين روسيا وأوكرانيا، وملفّ إيران، والصراع في الشرق الأوسط، والحرب التجارية مع الصين، ومواضيع أخرى كالمناخ وأسعار الطاقة. لذلك من المتوقّع، حسب الوكالات الأميركية، أن تلجأ الصين، روسيا وإيران إلى محاولات التأثير على نتائج الانتخابات.

يستهدف إطلاق شائعات في الأيام الأخيرة الناخبين المتردّدين والمستقلّين. وحين يكتشف الرأي العامّ أنّ المعلومات كانت مضلّلة ومزيّفة أو مبالغاً فيها تكون الانتخابات قد انتهت وتمّ الإعلان عن الفائز.

استطاعت أجهزة الأمن الأميركية بالتعاون مع شبكات التواصل الاجتماعي أن تكشف عن عدد من المحاولات وتفضح المسؤولين عنها. ومع ذلك سمحت التقنيات الحديثة، وتحديداً الذكاء الاصطناعي، بتخطّي الإجراءات الأمنيّة المُعتمَدة لحماية العملية الانتخابية.

ما دور الذّكاء الاصطناعيّ؟

يساهم الذكاء الاصطناعي في تعزيز هذه التدخّلات بطرق جديدة ومتطوّرة، حيث يمكن استخدامه لتحليل البيانات الضخمة الخاصة بالناخبين وإنشاء رسائل مخصّصة تستهدف فئات معيّنة من السكّان. على سبيل المثال:

  • التّزييف العميق (Deepfake): حيث يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي لإنشاء مقاطع فيديو وصور مزيّفة تُظهر شخصيات سياسية وهي تقول أو تفعل أموراً لم تحدث في الواقع، وهو ما يؤدّي إلى تشويه سمعتها أو التأثير على الرأي العامّ تجاهها. ستكون هذه الأساليب من مشاكل انتخابات هذا العام بسبب الاستقطاب الكبير والتقارب غير المسبوق في الاستطلاعات حتى الأيام الأخيرة من موعد الاستحقاق الرئاسي.
  • التّعلّم الآليّ واستهداف الجمهور: تساعد أدوات التعلّم الآليّ في تحليل البيانات وتحديد مجموعات معيّنة من الناخبين المعرّضين للتأثير. وبناءً على هذه التحليلات، يمكن تصميم رسائل سياسية مخصّصة لكلّ فئة. وهو ما يزيد من تأثير الحملات الدعائية بشكل فعّال.
  • الرّوبوتات والحسابات الوهميّة: التي تستخدم تقنيّات الذكاء الاصطناعي لإنشاء حسابات آليّة على وسائل التواصل الاجتماعي لنشر الرسائل السياسية بشكل واسع وسريع. وهو ما يعطي الانطباع بأنّ هناك دعماً شعبيّاً حقيقيّاً لأفكار معيّنة، في حين أنّ هذه الحسابات وهمية.

على الرغم من أنّ انتخابات الرئاسة الأميركية موضوع محلّي أميركي، تنعكس نتائجها على العالم. وهذا يعطي الناخب الأميركي تأثيراً ونفوذاً في القضايا العالمية مع أنّه في معظم الأحيان لا يفقه منها شيئاً وهمومه محلّية بحتة.

موفق حرب

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.