أسرار تسميات ترامب: مصيرنا بيد إيلون ماسك

48

بقلم جان عزيز

«اساس ميديا»

يرسم المتابعون والعارفون بعقل دونالد ترامب في واشنطن صورة واضحة لما يفكّر فيه الرجل، وما سيقوم به، خصوصاً بما يتعلّق بمنطقة الشرق الأوسط.

 يعترفون بداية بأمرين اثنين: أوّلاً، صحيحٌ أنّ مفهومه لقضايا منطقتنا ربّما تبسيطيّ واختزاليّ. ثانياً، ومع ذلك يراهنون على أنّ مقاربته لهذه القضايا ستكون فعّالة ومؤثّرة انطلاقاً من شخصيّة “رجل الصفقات” التي يحبّها ويجسّدها.

خارطة طريق لترامب

بناء عليه، يضع هؤلاء خارطة طريق واضحة لتصوّر الرئيس الأميركي الجديد – القديم حول الشرق الأوسط وقضاياه وتحرّكه الممكن حيالها. يكشفون العلاقة بين اختيارات شخصيات إدارته المقبلة، بكلّ غرائبها وخبطاتها، وبين تلك الخارطة التي يختصرونها بالتالي:

1- صدّقوا أو لا، ينطلق الرجل من إيمانه بأنّه سيكون الرئيس الأميركي الخامس، الذي يُمنح جائزة نوبل للسلام، بعد تيودور روزفلت، ويلسون، كارتر وأوباما. وطبعاً لا لزوم للإشارة إلى أنّ هاجسه ليس الثلاثة الأوائل، بل أوباما الذي يعتبره غريمه منذ معركته مع هيلاري كلينتون سنة 2016، ثمّ مع بايدن سنة 2020، وصولاً إلى معركته الأخيرة.

يرى ترامب نفسه خطيباً في لحظة منحه تلك الجائزة. وهو يقول للعالم: ها قد أخطأتم بحقّي. أنا رجل سلام حقيقي عمليّ دائم مستدام، لا سلام الأكاديمي النظريّ العابر والواهم، مثل سواي!

2- يؤمن ترامب بأنّ بوّابة العبور إلى تلك اللحظة ستكون قضية الشرق الأوسط، وتحديداً ما يراه من توسيع لنطاق اتفاقات أبراهام لتضمّ إلى إسرائيل، كلّاً من السعودية وإيران. نعم إيران.

3- يدرك الرجل أنّ ضمَّ السعودية بات شرطه قيام مسارٍ ما لحلّ فلسطيني عادل. وهو لا يثق لتحقيقه إلّا بشخص واحد. إنّه الصهر الموثوق جاريد كوشنر. الملفّ بات منذ لحظة انتخابه في عهدته بكلّ تفاصيله ومستوياته. لكن ماذا عن تعيينه شخصاً آخر، ممثّلاً شخصيّاً له في المنطقة؟

كوشنر الغائب الحاضر

يجيب العارفون في واشنطن أنّه مجرّد ترتيبٍ ضمن الفريق. فالرجل، واسمه ستيفن ويتكوف، ليس خبيراً دبلوماسياً ولا مرجعاً شرق أوسطيّاً. يتندّرُ هؤلاء بأنّ معرفة ويتكوف الوحيدة بالمنطقة نابعة من أنّه اشترى قبل أعوام فندقاً شهيراً في لندن، ثمّ باع حصّة منه للقطريين!!

هو مطوّر عقاري مثل جاريد، ويهوديّ مثل جاريد أيضاً. لكنّ الأهمّ أنّه زميل في لعبة الغولف مع ترامب. فيما ابنه شريكٌ لجاريد في الكثير من الأعمال. مع الإشارة إلى خسارته ابناً آخر في ظرف أليم قبل 13 عاماً.

باختصار، كوشنير هو سيّد الملفّ عبر شريكه ووالد شريكه، بما يسمح له بإنجاز المطلوب، وبما لا يتعارض مع استمرار أعماله الخاصة، المربحة جدّاً.

4- طبعاً لا يكفي إقناع كوشنير للسعودية بالانضمام إلى اتفاقيات أبراهام. فالأهمّ هو إقناع إسرائيل بتلبية مقتضيات ذلك.

هنا يظهر التفسير المنطقي ترامبيّاً لوجود هذا الحشد الهائل من “الصهاينة المتشدّدين” ضمن فريق الرئيس الجديد.

الهدف منه بكلّ بساطة أن يتمكّن في لحظة معيّنة من أن يقول لأيٍّ كان على رأس حكومة تل أبيب: ما من أحد بينكم يمكنه المزايدة عليّ في محبّتي لهذا الكيان، وفي عملي من أجل مصالحه. ها أنا قد جعلت من إدارتي “فريق الحلم الصهيوني” الذي لم تعرفه إدارة في البيت الأبيض قطّ. وها أنا ومعي هذا الحشد من صهاينة إدارتي الحرصاء والأصلاء، أقول لكم: تفضّلوا وتنازلوا، لنبرم اتفاق تسوية شامل في المنطقة!

فكرة مجنونة؟! ربّما. لكنّها برأي العارفين الأميركيين، يبدو أنّها ستُعطى مع فريق ترامب فرصة للتجربة والمحاولة.

العصا والجزرة وإيران

5- يعرف ترامب أيضاً أنّ إنجازه هذا لا يكفيه قبول السعودية وتنازل إسرائيل، بل وتعاون إيران، أو تحييدها على الأقلّ.

وهو ما يستعدُّ للتمهيد له بطرق مباشرة، وبأسلوب عتيق معروف تماماً: جزرة وعصا، مع فارق أنّه سيكون على طريقة ترامب في كلّ شيء، أي وفق قاعدة “الأكبر أفضل”. فالجزرة ستكون أكبر، والعصا بالمقابل ستكون أكبر أيضاً.

6- هنا أيضاً تعود مقاربة ترامب التبسيطيّة للأمور. هو على عكس كلّ الأدبيّات عن الأبعاد الأيديولوجية والدينية والجيوسياسية لنظام الملالي، لا يرى في مقاربته له إلّا البعد المالي التنموي الاقتصادي. ويُستدلّ على اختزاله هذا ما يسمعه ويعرفه عن ثروات هائلة تقع تحت تصرّف مسؤولي ذلك النظام، من عائلة رفسنجاني، إلى مقدّرات المقامات الدينية ومكتب خامنئي، من مليارات لا تُحصى.

على ماذا يراهن ترامب؟

يراهن ترامب على أنّ كلّ الناس تهتمّ بالنهاية بخيرها وازدهارها ورفاهها. وسيقارب إيران بهذه الجزرة. وهذا ما يفسّر أنّ أوّل اتّصال مباشر بين إدارته وبين نظام الملالي كان بواسطة إيلون ماسك. هذا الرجل “المجنون” المتربّع على ثروة تريليونيّة.

ذهب يقول لسفيرٍ إيراني في الأمم المتحدة، تعيش عائلته في بلاده، بمتوسّط راتب حكومي لا يتعدّى 250 دولاراً شهريّاً:

رجاء اُنقُل إلى إدارتك ونظامك تحيّاتي الصادقة. واسألهم إذا كانوا يفضّلون أن نتعامل معهم بالصواريخ التي ضربت قاسم سليماني قبل أربعة أعوام؟ أم بصواريخ “سبايس إكس” و”ستارلينك” التي تدرُّ عليَّ مئات مليارات الدولارات؟!

7- تبقى ضرورة العصا. ويبدو أنّ ترامب بدأ يحضّرها بحذاقة رفيعة أيضاً.

مثلاً، مايك والتز، الذي اختاره مستشاراً للأمن القومي، هو أحد أبرز المؤيّدين للقضية الكردية في واشنطن. وهو مسؤول “لوبيها” في الكونغرس، علاوة على عن خبرته الشرق الأوسطيّة. زوجته جوليا نشواتي أردنية مميّزة وفاعلة. فيما عاهل الأردن يتحضّر لزيارة واشنطن خلال أيام.

كذلك اختيار تولسي غابارد مديرةً للمخابرات العامّة. وهي الديمقراطية سابقاً، والمدافعة دوماً عن ترشيح بشار الأسد لدور أفضل سدٍّ بمواجهة المتطرّفين الدينيّين.

ما الرابط بين والتز والأكراد وغابارد والأسد وآخرين؟ تذكّروا كلام وزير الخارجية الاسرائيلي الأخير عن العلاقة الضرورية بين كيانه وبين أقليّات المنطقة. وتذكّروا من سمّى من تلك الأقلّيات وبأيّ تطلّع كي تتّضح الصورة.

كأنّ ترامب يريد التلويح لطهران بأنّه جاهز للتعامل معها كما تريد، عبر إيلون ماسك ومستقبل الازدهار والمليارات، أو عبر تقطيع طرقها من لبنان إلى سوريا فالعراق فداخلها ربّما، ليساعدها على حسن الاختيار!

خارطة طريق تبسيطيّة؟! لكنّ أسلوب الرجل، ونجاحاته في ماضيه ومجالاته، جعلته مؤمناً بأنْ ليس الجمال وحده في البساطة، بل النجاح في أعقد المهمّات تأزّماً ومأزقيّة أيضاً. وهو ما يطرح تساؤلاً مفارقةً لا يخلو من ابتسامة ساخرة: هل يكون مصيرنا، في لبنان تحديداً كما في منطقتنا، معلّقاً على نجاح هذا الغريب الأطوار، إيلون ماسك؟!

جان عزيز

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.