أردوغان يحمل ملفّ غزّة إلى البيت الأبيض

51

بقلم محمد قواص

«أساس ميديا»

كان غريباً انكفاء تركيا النسبي عن لعب دور نشط في المرحلة التي تلت مباشرة عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حركة “حماس” في 7 أكتوبر (تشرين الأول الماضي). كانت تركيا بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان قد تبنّت في السنوات السابقة خطاباً فلسطينياً عالي النبرة. واتخذت سلوكاً مناصراً عبّرت عنه قافلة “مافي مرمرة” عام 2010. وأقامت تحالفاً مستفزّاً مع حركة “حماس” بصفتها، أيضاً، جزءاً من الإسلام السياسي الذي رعته أنقرة واستخدمته ذراعاً ضاربة في سياساتها العربية بعد عام 2011.

في تفسير انكفاء تركيا النسبي، بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، عن لعب دور نشط في المرحلة التي تلت مباشرة عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حركة “حماس” في 7 أكتوبر. أنّ مصالح البلد تغيّرت في العلاقة مع العالم. وأنّ أزمتها الكبرى مع إسرائيل انتهت إلى ما دبّره الطرفان من تسويات.

وفي التفسير إغلاق تركيا لملفّات الخلاف مع السعودية والإمارات ومصر. وهو ما أغلق أيضاً ملفّ علاقة أنقرة مع جماعة “الإخوان المسلمون”. بما في ذلك النسخة الفلسطينية التي تمثّلها “حماس”. وهو ما نبّه تركيا إلى مراعاة واقع الجغرافيا الذي يربط مصر بغزّة.

جاءت مغادرة بعض قيادات “حماس” تركيا في السنوات الأخيرة، وانتقال بعضهم إلى لبنان، اتّساقاً مع مزاج تركي جديد حيال العالم العربي وإسرائيل والغرب بزعامة الولايات المتحدة.

فجأة تلاحقت في الأيام الأخيرة تطوّرات تشي باستفاقة عاجلة لتركيا على الملفّ الفلسطيني.

أعلنت أنقرة في 9 نيسان تقييد تصدير منتجات من 54 فئة إلى إسرائيل، مؤكّدة أنّها ستستمرّ في ذلك حتى تعلن تل أبيب وقفاً لإطلاق النار في غزة.

لماذا انتظرت تركيا كلّ هذا الوقت؟

قبل ذلك أخرجت صناديق الانتخابات البلدية الأخيرة تبرّماً من داخل الكتلة الناخبة لحزب العدالة والتنمية من ذلك “الانكفاء” عن غزّة وفلسطين. فراح كثير من الأصوات صوب حزب “الرفاه من جديد” الإسلامي بقيادة فاتح إربكان. نجل نجم الدين إربكان مؤسّس الإسلام السياسي التركي الذي ترعرع في كنفه أردوغان.

لاحقاً في 14 نيسان أجرى وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن اتصالاً مع نظيره التركي هاكان فيدان. وفي اليوم التالي استقبل الوزير التركي مسؤولاً كبيراً في وزارة الخارجية الأميركية من أجل “مناقشة الوضع في غزّة”. تراكمت كلّ هذه التطوّرات عشيّة ظهور فيدان في الدوحة معبّراً عن إعراض عن دور جديد لتركيا يشي أنّ واشنطن شجّعت أنقرة على لعبه. وذلك بعد تسرّب امتعاض أميركي من إخفاق الدور القطري.

تقدّمت تركيا في اليوم نفسه الذي أعلنت فيه قطر تراجعاً عن دورها.

خروج الدوحة… وانزعاجها

في 17 نيسان ظهر الوزير التركي ونظيره القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في مؤتمر صحافي مشترك. أعلن الوزير القطري باستياء أنّ بلاده بصدد “إعادة تقويم” لدورها في الوساطة بين إسرائيل و”حماس”، مستنكراً “توظيفاً” للوساطة “لمصالح سياسية ضيّقة”.

قبل هذا القرار بيوم واحد صدر من واشنطن ما أزعج الدوحة. دعا عضو مجلس النواب، ستيني هوير (ديمقراطي، أي من حزب الإدارة)، قطر إلى تهديد “حماس” بتداعيات إذا لم تقبل صفقة الرهائن المطروحة على الطاولة. ذهب أكثر من ذلك، وهنا بيت القصيد، بدعوة بلاده إلى “إعادة تقويم علاقتها مع قطر”. فقرّرت الدوحة بدورها إجراء “إعادة تقويم”.

أرادت تركيا التقدّم في هذه اللحظة بالذات بالتنسيق مع قطر، لكن أيضاً مع مصر. فاستقبلت وزير خارجيّتها سامح شكري في 20 نيسان.

تزامن وجود الوزير المصري مع حدث آخر لافت تمثّل في استقبال الرئيس رجب طيب أردوغان لرئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”، إسماعيل هنّية، ووفد قيادي مرافق. في اليوم نفسه انشغل إعلام المنطقة بتقرير حصري لصحيفة “وول ستريت جورنال” الأميركية فحواه أنّ قيادات “حماس” ستغادر الدوحة، وتبحث عن ملاذات جديدة.

هدية أردوغان إلى البيت الأبيض.. قريباً

في 9 من أيار المقبل يستقبل الرئيس الأميركي جو بايدن نظيره التركي في البيت الأبيض. الزيارة هي الأولى التي يقوم بها أردوغان لواشنطن منذ عام 2019 عندما التقى نظيره دونالد ترامب آنذاك. والأرجح أنّ رجل تركيا القويّ سيحمل، من ضمن ما يحمل، ملف غزّة ومسائل “اليوم التالي”.

كان وزير الخارجية التركي قد انتزع في الدوحة بعد لقائه هنيّة وصحبه تحوّلاً استراتيجياً كبيراً حضّر لاجتماع هنيّة – إردوغان في إسطنبول. أعلن فيدان، بما يشبه “زبدة الكلام”، استعداد “حماس” للتخلّي عن جناحها العسكري في حال قيام دولة فلسطينية.

ولئن أبدت “حماس” مرونة لافتة في الوثيقة التي خرجت بها عام 2017. بما في ذلك القبول بدولة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية من دون الاعتراف بإسرائيل. وأبدت مواقف مرنة بعد “الطوفان”… وإذا ما كان منطقياً غياب الأجنحة العسكرية عند إقامة “الدولة”، فإنّ إثارة إسقاط “الجناح العسكري”. فيما يحيى السنوار و”القسّام” ما زالوا يخوضون معركة غزّة، تمثّل “انقلاباً” يمكن أن يُسجّل في رصيد الرئيس التركي ليصار إلى تصريفه مع الولايات المتحدة في مداولات ما بعد غزّة.

نفت مصادر “حماس” أنباء “وول ستريت جورنال” بشأن توجّه قطر إلى “طرد” قياداتها من الدوحة. واستبعدت مصادر في قطر وجود رابط بين “إعادة تقويم” الدور القطري والعلاقة مع “حماس”. بالمقابل فإنّ من المستبعد أيضاً أن تكون تركيا ملاذاً بديلاً لقيادات الحركة. بسبب ظروف تركية داخلية وخارجية غير حاضنة لاحتمال من هذا النوع.

اللافت أنّ الصحيفة الأميركية التي تحدّثت عن تواصل الحركة مع عواصم، إحداها مسقط، كي تكون ملاذاً محتملاً لقياداتها، لم تورد أبداً. وعلى نحو ملتبس، احتمال توجّه قيادات الحركة إلى إيران. وإذا ما بات يقيناً أنّ علاقة قطر والولايات المتحدة لا تتأثّر بتهديدات نائب ميريلاند. فإنّ تركيا تتولّى بالتنسيق الكامل مع المجموعة العربية (ممثّلة بمصر وقطر) دوراً من أجل إعداد غزّة لمسارات ما بعد الحرب.

من ضمن تلك المسارات أن تكون حماس بجناحها السياسي حاضرة داخل توليفة فلسطينية إقليمية تكون تركيا شريكةً فيها مع واشنطن والمجتمع الدولي تُهيّئ المنطقة لمسارات كبرى قيد الإعداد.

محمد قواص

اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.